يقوم أمن الخليج العربي على التوازن بين ضفتي الخليج الشرقية والغربية، وفي عهد شاه إيران، على رغم النيات التوسعية لنظامه، فإن القوى الدولية المؤثرة أبقت تلك النيات في حدودها الدنيا، لكن باندلاع الثورة الايرانية، ووصول الملالي الى حكم إيران، تبدلت كثيراً من قواعد اللعبة، فكانت الحرب العراقية الايرانية، ثم تحرير الكويت، وصولاً الى غزو أفغانستان والعراق، الذي لعبت فيه إيران دوراً كبيراً، لكن بقاء باكستان كدولة قوية وذات قدرات نووية أسهم في حفظ التوازن في الخليج، إذ عملت كعمق استراتيجي لدول الخليج، خصوصاً مع تزايد أهمية الهند، التي لم يقف أمام انطلاقها سوى مشكلتي كشمير وباكستان، بأن معظم وحدات الجيش الهندي ترابط في ولاية كشمير وتستنزف مواردها البشرية والاقتصادية، أما باكستان فتقف حائطاً منيعاً امام الهند العظمى. وقد تعمدت الهند أن تثبت خلال العقد الماضي أنها حليف يعتمد عليه للقوى الدولية، فكانت المناورات الواسعة للبحرية الهندية مع نظيرتها الأميركية، ثم توقيعها اتفاق تعاون نووي معها يسمح للهند بالتزود بالوقود النووي، وعلى رغم ان الاتفاق ينص على توفير وقود نووي للاستخدام السلمي، الا انه سيتيح للهند انتاج الوقود النووي للاغراض العسكرية، ثم تقدم مجلس الأمن بخطوة اضافية بتكليفه للبحرية الهندية لملاحقة القراصنة أمام سواحل الصومال، على رغم بُعد الصومال عن الشواطئ الهندية، ويعد هذا التكليف تمهيداً لدور تلعبه البحرية الهندية مستقبلاً في مياه الخليج العربي. أما باكستان فقد كان من سوء حظها ان أحداث 11 أيلول (سبتمبر) لم تترك مجالاً لها سوى الالتحاق بركب التحالف الدولي في معركته على الارهاب، فقد تضامنت القبائل مع بعضها البعض ضد الجيش الباكستاني، وبدأت سلسلة من العمليات الانتحارية ضد مواقع الجيش الباكستاني، فيما اكتفت الهند بمشاهدة الباكستانيين يقتتلون في ما بينهم ويستهدفون جيشهم الوطني. إن القوى الدولية أقنعت الهند أن باكستان سائرة الى التفكك، فباكستان تعيش أوضاعاً مزرية، ويجري تفتيت مقومات الدولة، وأن انفصاليي بلوشستان يجري تدريبهم عسكرياً في معسكرات داخل افغانستان بدعم من دول مجاورة لباكستان. أما ايران فإن نياتها التوسعية لا تحتاج الى دليل، فهي تحتل الجزر الاماراتية الثلاث «طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى»، ولها نفوذ طاغٍ في العراق، وترقب العراق وهو يتحلل الى اقاليم تقع تحت نفوذها، خصوصاً مع البدء في إجراءات اعلان اقليم البصرة الغني بالنفط، وهو الاقليم الذي سعت ايران جاهدة لاحتلاله اثناء الحرب العراقية الايرانية في الثمانينات ولم تتمكن. أما الهند، فتشعر أن الخليج العربي هو الحديقة الخلفية لنيودلهي، كيف لا، و«الروبية» الهندية هي عملة الخليج الى عهد قريب؟ الا ان بقاء باكستان قوية حد من نفوذ الهند وأقصاها عن الخليج، تلك المنطقة المهمة من العالم. اذا تحقق تفكك باكستان فإن الخليج سيستيقظ على خيارات أحلاهما مر، فسيكون الخليج بين فكي كماشة الهند العظمى وإيران النووية، وحتى القوى الدولية ستزيد من شروطها وبالتالي يكون الخليج بين خيارين، إما القبول بالهيمنة الهندية والايرانية، أو تقبل مزيد من الشروط الدولية، كما أن العراق في عهد صدام كان العقبة الكبرى امام إيران، أما العراق اليوم فإن حلفاء إيران هم الذين يسيطرون على مفاصله، وللهند وإيران جاليات كبيرة في دول الخليج ولها حضور طاغٍ. إن الحرب على الارهاب من اختصاص الاجهزة الأمنية وليس القوات المسلحة، وقد حققت أجهزة باكستان نتائج كبيرة في حربها على الارهاب. لقد ثبتت بالتجربة ان استخدام القوات المسلحة والجيوش النظامية في الحرب على الارهاب يؤدي الى تزايد انتشار الارهاب وتفاقم الوضع، وخير دليل على ذلك أن العراق كان بعيداً عن الارهاب، لكن بمجرد بدء عمليات الجيش الأميركي انزلق الى متاهات الارهاب، بينما حققت السعودية نتائج باهرة باعتمادها على الاجهزة الأمنية والمناصحة ومقاومة الفكر المتطرف بالفكر المعتدل. عبدالرحمن أبومنصور - جدة