من يجرؤ على إصدار صحيفة ورقية جديدة في السوق المصرية وسط منافسة حامية بين عشرات الصحف القومية والمستقلة؟ كيف يمكن لجريدة جديدة أن تستحوذ على جزء من كعكعة الإعلانات؟ هل ما زال الجمهور المصري يقرأ الصحيفة الورقية بعدما استأثر التلفزيون بعقول الناس وقلوبهم، وبعدما أصبحت وسائل الإعلام الجديد، مثل «توتير» و «فايسبوك» والمواقع الإخبارية، من أبرز مصادر المعلومات؟ تطرح هذه الأسئلة بقوة في مصر عقب صدور صحيفة «الوطن» المستقلة اليومية التي يترأس تحريرها مجدي الجلاد، لتكون التجربة الصحافية الثانية له بعد صحيفة «المصري اليوم» التي رأس تحريرها ثماني سنوات، وساهم في أن تحتل المراكز الأولى وسط الصحف المستقلة، ما أكسبه شهرة كبيرة في الوسط الإعلامي في البلاد. يرأس مجلس إدارة الجريدة الجديدة رجل الأعمال المصري محمد الأمين الذي يلقب ب «روبرت مردوخ مصر» لامتلاكه قنوات «مودرن» وشبكة قنوات «النهار» وشبكة قنوات «سي بي سي»، وأخيراً «الوطن». وتعد «الوطن» أول صحيفة تضع شرط الضمير في العقود، إذ لا يمكن تغيير أي سياسة إلا بموافقة جميع الأطراف. الجريدة تعد مكسباً جديداً للوسط الصحافي، خصوصاً أن المالك لا يتدخل في التحرير بل مجلس الإدارة المكوّن من كتاب وخبراء، وليس رجال أعمال. وتخوض الصحيفة الوليدة خطاً جديداً في الإخراج، فضلاً عن اعتمادها على الغرافيك والأشكال التوضيحية لتكثيف المعلومات في «كبسولات»، وبالتالي توصيل المعنى إلى القارئ عبر أبسط الطرق، وهي الإبهار البصري. تعتمد «الوطن» في سياستها التحريرية على الاهتمام بقضايا المواطن المصري عبر التركيز على مشاكله واهتماماته، مع متابعة يومية لما يحدث في محافظات مصر من خلال مكاتب الجريدة وصحافييها هناك. كما تفرد الجريدة مساحة لقرائها للتعبير عن آرائهم، من شباب ونساء ورجال. لذا اختارت أن يكون شعارها «صحيفة يكتبها القارئ». ولكن كيف يمكن ل «الوطن» المنافسة وسوق الصحف اليومية في مصر تزخر بالكثير من المطبوعات القومية... والمستقلة؟ يجيب مدير تحرير المحافظات محمد البرغوثي: «منذ المراحل الأولى لإعداد الجريدة، اتفق القائمون عليها على أن تكون جريدة لا تشبه أي جريدة في السوق بدءاً بالشكل ومروراً بالتحرير والأفكار التسويقية والقصص الصحافية والتحقيقات التي تهم المواطن». ويوضح البرغوثي أن توزيع الجريدة في أيامها الأولى تجاوز توزيع الكثير من الجرائد الخاصة والقومية، إذ يعتبر أن الجريدة تميزت في التحقيقات الاستقصائية والتوسع في «الإنفو غراف»، خصوصاً أنه يشكل بحرفية عالية جداً ويُغْني القارئ أحياناً عن الدخول في التفاصيل. وتخطط إدارة الجريدة لزيادة عدد صفحاتها مستقبلاً، فضلاً عن إصدار ملاحق متنوعة أملاً بجذب شرائح مختلفة من القراء في مصر. وكان لافتاً كثرة الإعلانات في العدد الأول للجريدة والأعداد اللاحقة. ويشرح البرغوثي الأمر قائلاً: «تضم الجريدة مجموعة من الصحافيين المعروفين بحرفيتهم وكفاءتهم وخبرتهم الطويلة في عالم الصحافة، ما يعني عامل ضمان كبير للمعلن. كما أن المسؤول عن التسويق وليد العيسوي نجح في تسويق الجريدة عبر خبرته وصدقيته في عالم التسويق، خصوصاً أنه لا يشارك في أي مشروع إلا إذا كان يبشر بالنجاح». وتضم «الوطن» مجموعة من كبار الصحافيين والكتاب في مصر، منهم: المعتز بالله عبدالفتاح وعمرو حمزاوي وخالد منتصر ونهى الزيني وعمار علي حسن الذي يرى أن من غير المقبول في «الوطن» الخوض في التفاصيل الشخصية وعدم مراعاة الوحدة الوطنية وعدم صدقية الخبر والاعتماد على الإثارة التي تؤدي إلى زعزعة الوطن أو إحداث فتنة طائفية. ويقول: «كل كاتب حر في إبداء رأيه طالما لا يمس هذه المحرّمات. ومنذ تجربتي مع الجلاد في «المصري اليوم» لم يفرض عليّ الكتابة أو عدم الكتابة في أي موضوع. هناك مساحة حرية كبيرة». وعن مشروعه الصحافي الجديد، يقول الجلاد في أحد الحوارات التلفزيونية: «ليس مهماً أن تقدم للجريدة الناشئة في هذه المرحلة حوارات مع قامات كبيرة، أو انفرادات، ثم تخفت بعد ذلك. إننا نسعى إلى تقديم جريدة للقارئ يكون 80 في المئة من منتجها مصنوعاً بمهنية».