حين انتخب نيكولا ساركوزي رئيساً لفرنسا في منتصف العام 2007، بدأ الرئيس الجديد بديناميكيته غير الفرنسية إجراء تغييرات وتحولات في كاريزما الرئاسة الفرنسية الرصينة والمعتقة. تغييرات ربما راقت للجيل الجديد لكنها حتماً أزعجت بقايا النبالة الفرنسية البرجوازية التي تريد المحافظة على هيبة ورصانة فرنسا من خطابات وخطوات الرئيس الفرنسي أمام أنظار العالم، بل وحتى حجمه الذي يجب أن يتماهى مع حجم ديغول وديستان وشيراك! كل هذه المواصفات المهيبة للرئيس الفرنسي جعلها ساركوزي وراء ظهره وانطلق، بسرعة ألمانية وخفَة أميركية ومراوغة «...» ومزاجية عربية، يدير فرنسا على غير هوى الفرنسيين! عمد ساركوزي بكل عنف وعنفوان إلى استصدار عدد من القرارات المستفزة والمؤججة للتنافر بين الفرنسيين، المسلمين وغير المسلمين والأغنياء والفقراء والأصليين والمهاجرين، وقد أشرت إلى بعض تلك المظاهر مبكراً في مقالة نشرتها بعد أشهر من استلام ساركوزي مفتاح الأليزيه تحت عنوان «الفرنساركوزية» (صحيفة «الحياة» 21/11/2007). بإيجاز، لم يكن الرئيس الفرنسي رئيساً لكل الفرنسيين. وهذا ما حدا بالمرشح المنافس لساركوزي على الرئاسة فرنسوا هولاند أن يجعل شعاره الذي يروج نفسه به أمام الناخبين أنه سيكون رئيساً لكل الفرنسيين. هل سيعيد الرئيس الفرنسي الجديد فرنسوا هولاند هيبة سيد الأليزيه التي عبث بها ساركوزي؟! المراقبون لا يرون، على الأقل حتى الآن، في هولاند ملامح الكاريزما الديغولية أو الميتيرانية، لكنهم لا يغفلون عن أن بعض أنواع الكاريزمات لا تظهر إلا في مواطنها وتوقيتها الموسوم لها. من جانب آخر، يمكن أن نظفر من هزيمة ساركوزي بدروس عديدة، من أهمها: الديناميكية والحركة ليستا دائماً سبباً للنجاح والتميز. الارتماء في الأحضان الأميركية ليس هو دوماً ضمانة وحماية من عواصف التغيير. هشاشة النظرية المكرسة بأن من يدعمه اللوبي اليهودي هو دائماً المنتصر. الناس تميل في النهاية إلى من يحقق الوئام والانسجام لها كلها وليس لفئة منها فقط. والناس أيضاً تكره من يضيق عليها الكسب والعيش تحت أي ذريعة أو حجة منمقة. هل سيستطيع الرئيس الاشتراكي الفرنسي الثقيل فرنسوا هولاند أن يعالج بلاده من أعراض الفرنساركوزية، فيعيد لفرنسا هيبتها وللأليزيه بريقه وللشعب الفرنسي عافيته وطمأنينته التي أقلقتها القرارات البهلوانية خلال الخمس سنوات الماضية؟! بالتأكيد أن هولاند لا يريد ولن يستطيع أن يزايد على خفة ساركوزي، لكن هل يستطيع أن يزايد على رصانة «المعلم» ميتران؟! هذا هو السؤال الذي سينشغل به الشعب الفرنسي خلال الأسابيع القليلة المقبلة. الانشغال بالربيع الفرنسي أكثر متعة وأقل ألماً من الانشغال بالربيع العربي! * كاتب سعودي [email protected] twitter | @ziadaldrees