تزداد في الآونة الأخيرة القراءات الإعلامية الاقتصادية المتعددة لطبيعة الاستثمارات في المنطقة، وتختلف التصريحات والرؤى حول واقعها ومستقبلها، إلى درجة ان البعض اختلف حتى في تحليل ماضيها وتجربتها خلال السنوات السابقة، لكن الأكيد ان غالبية القراءات والدراسات تتجه اليوم نحو مزيد من الواقعية والمنطق في التعاطي مع المعطيات الاقتصادية وتحليل واقع أسواق المنطقة العربية والخليجية. أفرزت التغيرات الأخيرة في المنطقة والتي كانت على أكثر من صعيد منها الاقتصادي والسياسي، موجة جديدة من الاستثمارات لا تعتمد على الارتباطات بأنظمة الحكم ومدى قرب الشركات المستثمرة منها، بل على البحث الفعلي عن فرص استثمارية إلى جانب فتح الباب أمام مزيد من الاستثمارات الأجنبية الوافدة لشركات لم تطأ أقدامها قبلاً المنطقة العربية عموماً ومنطقة شمال أفريقيا خصوصاً. ولأن التغيير العالمي في المعادلة الاقتصادية والمحلي على الصعيد السياسي ليس بالأمر الهين، يتوقَّع ان تتجه الحكومات في المنطقة إلى مزيد من فتح أسواقها وبيع بعض حيازات الدولة، خصوصاً في تونس المتعطشة إلى توزيع عادل للثروات فيها. وقد تكون مسألة فتح الأسواق وتخصيص بعض القطاعات مثل الخدمات المالية والسياحة والاتصالات وسواها، أمراً وارداً حصوله بقوة في المنطقة، وهو أمر جاذب للمشاريع الأجنبية التي كانت تفتقر إلى مزيد من فتح الباب على استثمارات كبرى كانت الحصة الأكبر فيها للحكومات، على رغم المعدلات القوية لهذه المشاريع في المنطقة قبلاً. ولأن العالم يعيش اليوم مرحلة الاقتصاد المفتوح، فإن دولاً غنية بالموارد الطبيعية والنفطية ويتميز سكانها بصغر أعمارهم، تعد مناطق وأسواق جذابة للمستثمرين، وهو الأمر ذاته الذي يشكل جذباً للقطاعات الاقتصادية لهذه الدول والتي منها تونس، مثلاً، لما تتيحه هذه الشركات من فرص عمل جديدة. وهذه مهمة صعبة أمام الحكومات المقبلة التي يجب عليها ان تعمل على اجتذاب مزيد من الاستثمارات الأجنبية ورفع حصتها في إجمالي الناتج المحلي، خصوصاً ان الاستثمار الأجنبي ساهم بنسبة ضئيلة تصل إلى ستة في المئة فحسب من إجمالي الناتج المحلي لتونس عام 2008 أي قبل وقوع الأزمة المالية العالمية. وتعد مسألة المحافظة على الانسجام الاجتماعي وجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية إلى البلدان التي تغيرت فيها الأنظمة السياسية أخيراً مهمة صعبة ودقيقة، ذلك أن الشعب متعطش إلى توزيع عادل للثروات، والشركات الأجنبية متعطشة للحصول على موطأ قدم لها في هذه الدول الغنية بالنفط والموارد مثل ليبيا التي يعد اقتصادها من أكثر الاقتصادات جذباً، على رغم ان البلاد شهدت أكثر الثورات عنفاً مقارنة بتونس ومصر، وكانت ليبيا اجتذبت اهتماماً قوياً من المستثمرين عام 2004، حينما رفعت عنها عقوبات غربية دامت عقوداً من الزمن. إذاً، تحقيق التوازن والانسجام الاجتماعي وفتح الأسواق أمام استثمارات جديدة هما العنوان الجديد للمرحلة المقبلة في أكثر من منطقة وأكثر من سوق، وواقعية القراءات الاقتصادية وتحليلاتها الإعلامية هي جل ما يبحث عنه الفرد اليوم. * مدير أول للعلاقات العامة في «شركة صحارى للاستشارات الإعلامية»