بعد سلسلة حفلات ناجحة، يبدو أن مهرجانات جبيل من الأكثر ثباتا وحيوية خلال موسم المهرجانات اللبناني. ويعود ذلك الى بعد المنطقة جغرافيا عن التوتر الذي تشهده البلاد. فالمدينة الساحلية العتيقة، تعيش كرنفالا، اذ لا يقتصر الامر على الامسيات الموسيقية، بل يتخطاه الى معارض فوتوغرافية وتشكيلية في الهواء الطلق، وحفلات لفنانين من الجيل الصاعد، اضافة الى موجة فرح تغمر قاصدي المدينة. وما يعزز مكانة المهرجان، ما تتعرض له بعض الفعاليات المنافسة كبعلبك مثلا التي اضطر القيمون عليها الى نقل بعض الحفلات الى بيروت، بسبب المعارك على الحدود الشرقيةللبنان بين الجيش اللبناني ومقاتلين اسلاميين متشددين. وحضر حوالى سبعة آلاف شخص حفلة المغني البلجيكي ستروماييه في ميناء مدينة جبيل وقدم 12 اغنية يحمل كل منها قصة وعبرة. وملأ ستروماييه (29 سنة) المسرح حركة بجسده النحيل وطوله الفارع، ورافقه اربعة موسيقيين في الحفلة. وبأزيائه غير التقليدية التي تطبع أغنياته المصورة، غنى وعزف على الدرامز والأورغ، ورافقت كل أغنية قدمها مشاهد تنسجم معها على الشاشة السوداء الكبيرة التي توسطت خلفية الخشبة، علماً انه كاتب معظم اغنياته ومؤلف موسيقاها. وكان التفاعل مع الأغنيات عارماً من الجمهور الذي ضم عدداً كبيراً من المراهقين وحتى الأطفال، جاؤوا بصحبة أهلهم، لكن البالغين أيضاً بدوا متحمسين ورددوا مع الفنان البلجيكي اغنياته التي حفظوا كلماتها غيباً. وأشعل ستروماييه جمهوره بمداخلاته المرحة وتخاطبه المباشر معهم من دون أي تكلف خطابي، فكان يسألهم بين الاغنية والأخرى مازحاً «كيف حالكم؟»، و «كيف الصحة؟» و «كيف العائلة؟»، ويختم «شكراً لأنكم سألتموني أيضاً عن حالي». وتوالت اغنيات ستروماييه التي تثير كل منها قضايا إنسانية، كالعائلة والصحة والعنصرية. وتناول مثلاً مشكلات الارتباط في اغنياته «تا فيت» و «توس ليه ميم» المطعمة بانغام اسبانية و «كارمن»، اضافة الى «الور اون دانس» التي اطلقته عالمياً في عام 2009 وتقدم الموسيقى الالكترونية بنفَس افريقي، ورقص على أنغامها الجمهور بحماسة. وقدم اغنية «باتار» التي يبرع فيها في استخدام الكلمات التي تعبر عن الألم وتتحدث عنه طفلاً وتدين الارهاب والطبقية والعنصرية وكل اشكال التمييز. ومن البومه «تشيز» الصادر في عام 2009، ادى اغنية «بيس اور فيولنس»، رافعاً اصبعيه على شكل حرف «في» اللاتيني (اشارة النصر)، وقلده الحاضرون برفع اصابعهم، منشدين معه الاغنية. وعلى خلفية حشرة سوداء كبيرة أدى اغنية «كانسير» الحزينة التي تتناول مرض السرطان الذي يقتل الاطفال. وتقول كلماتها «أيها السرطان، لا شيء يوقفك ان تحب الاطفال وتوقف عن التظاهر بدور البريء»، مختتماً بالسؤال «من هو المصاب المقبل؟». وأدى أغنية «مول ايه فريت» التي تروي قصة بولو المصاب بفيروس نقص المناعة المكتسب (الايدز). ومن البومه «راسين كاريه» ايضاً وقدم «فورميدابل» المستوحاة من اغنية «ايفرونيه» للمغني البلجيكي الشهير جاك بريل والتي نالت جائزة رولف مالبو من جمعية الكتاب والملحنين والناشرين الموسيقيين لعام 2014. اما اغنية «اومين الو» التي حول فيها ستروماييه الجمهور جنوداً يمشون بخطى «النظام المرصوص» العسكرية، فتتناول العلاقة بين الشمال والجنوب أي الدول الفقيرة والغنية. كما الهب المغني البلجيكي الجمهور بأغنيته «بابا اوتيه» التي تتحدث عن غياب الاب. وقد ارتدى لهذه الإغنية الملابس نفسها التي يرتديها في النسخة المصورة لهذه الاغنية، والتي حصدت اكثر من 160 مليون مشاهدة على موقع «يوتيوب». وهذه الاغنية تمزج اسلوب الهاوس بالبوب وتروي قصة غياب والده الذي عانى منه. وفي ختام حفلته عاد ليرتدي الملابس التي كان اطل بها في البداية وعرف الجمهور بطريقة مغناة على أعضاء فرقته وفريق عمله، ولم ينس أن يوجه تحية إلى اللبنانيين، ثم ما لبث بناء على إلحاح الجمهور أن عاد الى المسرح بعد أن غادره، وقدم مقطعين من اغنيتيه «توس لي ميم» و «مول ايه فريت» من دون موسيقى.