عندما يغيب جسد إسماعيل في مياه البحر الزرقاء، ويتأخر قليلاً، يثير مزيجاً من المشاعر المتباينة لدى رواد الشاطئ، فيها إعجاب وخوف وغيرة وغبطة. يعود الى الظهور وسط زبد الأمواج المرتطمة على الرمال الصفراء، وحينها يتوقع المصطافون المنتظمون أنه في الغالب لن يخرج خاوي الوفاض، وإن دخل ويداه لا تحملان أي شيء. وإسماعيل لا يخيّب ظن منتظريه على الرمال، فقد خرج آخر مرة وهو يحمل أخطبوطاً كبيراً يزن نحو ثلاثة كيلوغرامات. «لا أحتاج إلى بندقية صيد مائية، ولا سهم أو شيء حاد، أعرف فقط من أين تؤكل الكتف»، يقول ضاحكاً ويشير إلى «كتف» الأخطبوط، قاصداً رأسه المجوف من الداخل الذي يمثل نقطة ضعفه حينما يقلبه بقبضة يده السريعة ويجمد مقاومة «فريسته». يشبه الشباب الذين يعيشون في المناطق الساحلية الاسماك البرمائية. البحر جزء من كيانهم، والسباحة واللعب على رمال الشواطئ والجلوس إلى الأمواج متعة لا تعادلها متع أخرى يعرفها الشباب الذين يعيشون في المناطق الداخلية. يرتاد إسماعيل شاطئ الفنيدق الواقع شمالاً ما بين مدينتي تطوان وسبتة المحتلة. أحياناً يعن له «إزعاج» الصيادين ذوي العتاد المحترم من لباس غوص و «أسلحة»، فيغطس أمام انظارهم، ثم يطلع بأخطبوط ونظراته الجانبية تسترق النظر باستمتاع إلى رد فعلهم. لكن إسماعيل جافى عاداته البحرية كلها منتصف الشهر الماضي، ولم يقرب الماء، وإنما ظل على مقربة من الأمواج، مفضلاً مراقبة مجموعة «برمائية» متحمسة من الشباب الصغار تتعلم الغوص مع مدربين فرنسيين. جاءت الجمعية الفرنسية لغواصي العالم المتطوعين (Plongeurs du monde) إلى الفنيدق خلال الفترة الممتدة من 19 الى 30 أيار (مايو) الماضي لتدريب الأطفال والشباب والمراهقين على الغوص، وتعريفهم بهواية استكشاف أعماق البحر، وتوعيتهم بالأهمية البيئية للحفاظ على الحياة البحرية والشواطئ. يقول لويس، رئيس الجمعية ومؤسسها: «كلما سنحت لنا الفرصة مع المتدربين، نحاول تحسيسهم بحماية البيئة البحرية، بل حتى وهم تحت الماء، نعمل ما في وسعنا لجمع كل النفايات البلاستيكية التي نصادفها في قاع البحر». وفضلاً عن البعد البيئي، تعمل الجمعية التي تأسست سنة 2004 إثر إعصار تسونامي الذي ضرب جنوب شرقي آسيا في الجانبين الاجتماعي والاقتصادي لمساعدة الأطفال والمراهقين في وضع صعب على تعلم الغوص والحصول على شهادة تؤهلهم لاستقلال مادي يمكنهم من الاندماج في المجتمع. أطفال سيريلانكا المتضررون مثلاً استفادوا من نشاطات غواصي العالم للتدرب على الغوص مجاناً، وجاء دور أطفال المغرب وشبابه سنة 2007، بشراكة مع مركز محلي للغوص الترفيهي وسلطات المدينة. بعد ثلاث زيارات صيفية، أصبح «غواصو العالم» ضيوفاً أعزاء يحظون بشعبية كبيرة، ويتلقون طلبات متزايدة من شباب المؤسسات التعليمية في المدينة الصغيرة. لقد استقدموا فريق تدريب إضافياً هذه السنة ورفعوا عدد المستفيدين إلى مئة، ولكنهم قوبلوا بعدد أعلى، ولم يكن أمامهم سوى الإذعان وإدخال بعض التغيير على برنامجهم. في النهاية، تعاملوا مع 130 تلميذاً من ثانوية الفقيه داود وإعداديتي آية سمير والميناء وإحدى جمعيات الكاراتي المحلية. خصص الأسبوع الأول لاستكشاف الغوص بالنسبة الى المبتدئين والتعرف الى البيئة البحرية مع فريق التدريب المكون من أربعة فرنسيين، والأسبوع الثاني قاده فريق التدريب الآخر، وخصص لثلاثين تلميذاً ممن تم اختيارهم لتأهيل تدريبهم بالدروس النظرية والتطبيقية، لنيل شهادة PADI Scuba Diver الممنوحة من الجمعية الأميركية بادي PADI، وهي جمعية مهنية كبرى لمدربي الغوص مختصة في التكوين. وبفضل تعدد مجالات الغوص في المغرب، سيسهل على هؤلاء التلاميذ المستفيدين من دورات التدريب الحصول على فرصة عمل في مواقع الغوص المرتبطة بالنشاطات الاقتصادية، مثل الغوص الترفيهي والغوص التقني. ويؤكد بدر بوبكر، مدرب في الغوص الترفيهي ومدير مركز الغوص في شاطئ مارينا اسمير: «ورش أعماق البحار في تزايد كبير حالياً في المغرب، حيث يتم بناء الموانئ الترفيهية والتجارية، وهي تحتاج الى عناصر بشرية مؤهلة ومختصة في الغوص، والشباب الذي حصل على تدريب جمعية غواصي العالم بإمكانه العثور بسهولة على عمل في تلك الورش». غادر غواصو العالم المغرب بأجندة عمل طموحة لصيف العام المقبل، تضم عملاً توعوياً مشتركاً مع أساتذة العلوم الطبيعية لفائدة أقسام إعدادية الميناء حول حماية البيئة البحرية، وتنظيم أيام استكشافية لفائدة جميع تلاميذ الإعدادية، وعددهم 250 تلميذاً، ومتابعة برنامج التدريب، ووضع برنامج تعاون مع جمعية الأساتذة في المؤسسة.