لا يتخلى المرشح لرئاسة الجمهورية في مصر خالد علي عن «ثوريته»، فالرجل اعتاد أن يقف في صفوف المعارضة، واليوم يقدم نفسه كمرشح خرج من رحم الثورة المصرية، يخوض في «المناطق الشائكة» التي تغلف الحياة السياسية في مصر من دون توازنات ولا مقاربات، فيهاجم بعنف سياسات المجلس العسكري الذي يدير شؤون البلاد، لكنه يؤكد أن وقوفه إلى جوار المطالبين ب «سقوط حكم العسكر»، لا يعني «سقوط الجيش المصري»، ويصل به الأمر إلى الإعلان في حديث الى «الحياة» أنه سيطيح المشير حسين طنطاوي من وزارة الدفاع، كما أنه يهاجم بشدة جماعة الإخوان المسلمين، صاحبة الأكثرية النيابية، ويطالب بتقنين وضعها، كما يعتبر قادة الجماعة «شوكة في ظهر الثورة»، في المقابل لا ينسي نضاله كمحامٍ وحقوقي، من أجل حقوق العمال في مصر، فيتعهد بإطلاق الحريات النقابية، كذلك تثبيت العماله الموقتة، ووضع حد أدنى وحد أقصى للرواتب وهو مطلب شعبي منذ سنوات. وعلى رغم أن علي جاء من المدرسة اليسارية غير أنه لا يرى تعارضاً بين ما يؤمن به وما يعيشه العالم من انفتاح اقتصادي، فهو يرى ضرورة الدمج بين الفكر اليساري القائم على العدالة الاجتماعية، وبين فتح المجال أمام جذب استثمارات داخلية وخارجية. يتعهد علي بمراجعة اتفاق السلام مع إسرائيل، بما يسمح بسيادة كاملة للسلطات المصرية على كامل أراضي شبه جزيرة سيناء، كما أنه يعد بالتعامل مع دول أفريقيا باعتبارها شريكاً ونداً، وليس كتابع لمصر. في ما يأتي نص الحديث: شعار «يسقط حكم العسكر» الذي ينادي به الثوار شعار براق لكن ما البديل؟ - يجب أن يكون واضحاً للرأي العام أن كل الثوار وأنا منهم عندما ننادي ب «سقوط حكم العسكر»، لا نعني «يسقط الجيش المصري»، حتى لو أقحم المجلس العسكري قوات الجيش المصري في مواجهة مع الثوار في بعض الأحيان، نحن نحب الجيش المصري ونحميه ونمده بالسلاح، وبالتدريب لأنه خط الدفاع عن كل المصريين، لكن من يحكمنا في شكل سياسي (المجلس العسكري) نقول لهم: أنتم السبب في ما حصل في البلاد خلال المرحلة الانتقالية من تدهور سياسي واقتصادي. لذلك، عندما نردد هتاف «يسقط» نوجهه إلى قادة المجلس العسكري، ولا بد أن يعودوا إلى ثكناتهم، لكن الجيش المصري لا يسقط، وأنا أرى أن هناك خطورة بالغة عندما تتحول عقيدة جنود الجيش من القتال على الحدود إلى فض الاعتصامات والتظاهرات بالقوة... ويجب ألا يشعر الجيش بالخوف من الثورة ولا الثوار بالخوف من الجيش، الثورة ليست ضد الجيش، والمفترض ألا يكون الجيش ضد الثورة، وإنما نحن ضد من يديرون شؤون البلاد الآن، لا بد أن يبتعد الجيش فوراً عن هذا الصدام السياسي حتى تظل العلاقة طيبة. كيف سيكون شكل علاقتك بالمجلس العسكري في حال توليك الرئاسة؟ - نحن نتحدث عن دولة سيادة القانون ودولة المؤسسات، وعلى الجميع الالتزام بذلك، بالتأكيد عندما أتولى الحكم سأقوم بتغيير الحكومة الحالية بما فيها وزارة الدفاع، والتي سيتولاها وزير من داخل المؤسسة العسكرية لكني سأطيح وزير الدفاع الحالي (المشير حسين طنطاوي)، أنا ضد عسكرة الحياة المدنية وزيادة عدد العسكريين سواء من الشرطة أو من الجيش في ما يتعلق بالإدارة المدنية للدولة. ما مهمتك الرئيسة كأول رئيس لمصر بعد الثورة؟ - بناء دولة المؤسسات، تحقيق الأمن والانضباط في الشارع، وأنا لا أرى معضلة في إعادة الأمن إلى الشارع، فما نعانيه في الشارع يعود إلى طبيعة الصراع الذي نعيشه على السلطة وعندما يضع هذا الصراع أوزاره بوجود رئيس منتخب وبرلمان منتخب ستعود الأوضاع إلى الاستقرار، كما أنني أطرح برنامجاً خلال المئة يوم الأولى لفترة الرئاسة، لتثبيت العمالة الموقتة، واستصدار قانون يحدد حداً أقصى وحداً أدنى للرواتب. كيف ترى المطالبات والدعاوى بتطبيق الشريعة الإسلامية في البلاد؟ - نحن نتحدث عن دولة مدنية، وهذا المفهوم يعني إتاحة كامل الحقوق وكامل الواجبات وتكافؤ الفرص بين جميع المواطنين، بصرف النظر عن الجنس أو الأصل أو اللون أو العقيدة، يجب على الداعين إلى تطبيق الشريعة الإسلامية أن يتحدثوا إلينا حول تطبيق مفهوم «الجزية مثلاً» هل يمكن تطبيقها في هذه المرحلة، هل يمكن أن نطالب الأقباط بأن لا يحتكموا إلى شرائعهم في الأحوال الشخصية، كل هذا لا يمكن تطبيقه، نحتاج وطناً لكل المصريين، واختزال الشريعة في مجرد نص في الدستور أمر خاطئ. إذاً، كيف ترى الحدود المسموح بها لحرية العقيدة لا سيما في ظل الصعود السياسي للإسلاميين؟ - حرية العقيدة لا يمكن أحداً فرض رقابة عليها، ما قيمة إجبار شخص أن يكون قبطياً على الورق لكنه لا يؤمن بالديانة المسيحية في الواقع، أو العكس أن نجبره أن يكون مسلماً في الأوراق ولكنه ليس مسلماً في الواقع؟ هل هذا يزيد الإسلام أو المسيحية عزة؟ من يحكم على عقيدة الإنسان هو الله سبحانه وتعالى، هل يقلل من شأن الإسلام أو المسيحية أن يتركها فرد ويذهب إلى عقيدة أخرى؟ من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر. كيف ترى وضع جماعة الإخوان المسلمين في المستقبل؟ - يجب تقنين وضع الجماعة بعد الثورة، ويجب ألا يستمر وضعها قبل الثورة من حيث عدم رقابة عملها ولا موازنتها الخاصة، ويجب أن تخضع الجماعة للقانون، لا سيما بعد إشهار حزبها «الحرية والعدالة»، وأنا أقول لهم، مصر في مرحلة خطرة، وأحيي شباب الإخوان المسلمين الذين ناضلوا في الثورة، لكني أقول لقادة الجماعة: أنتم شوكة في ظهر الثورة المصرية، وعليهم الاستماع إلى شباب الجماعة. معنى حديثك أننا ننتظر صداماً عنيفاً بينك وبينهم حال فوزك بالمقعد الرئاسي؟ - يجب أن أكون واضحاً في خطابي، حتى يختارني الناس على وضوحي في الخطاب، اللعب على كل الخطابات وعلى كل الطوائف السياسية، سيأتي بشخص يتحدث إلى الناس بخطاب، وفي الغرف المغلقة يتحدث بخطاب مختلف. يجب أن نكون أكثر صراحة في حديثنا إلى الناس. في الفترة الأخيرة عاد الجدل حول «الدستور أولاً» أم الانتخابات الرئاسية «أولاً» في ظل تأخر وضع الدستور؟ - بصراحة، هم استيقظوا من نومهم فجأة فوجدوا ضرورة لوضع الدستور «أولاً»، مكثنا طوال العام الماضي في هذه المعركة، التي يذهب ضحيتها الشعب المصري ويدفع ثمنها الاستثمار المصري وكل الطبقات المتوسطة والطبقات الفقيرة، وللأسف كل الذين قالوا «نعم» للتعديلات الدستورية التي أجريت في آذار (مارس) العام الماضي، سواء المجلس العسكري أو جماعة الإخوان المسلمين، شعروا بأنهم في ورطة لأن الفترة المتبقية لا تسمح بإعداد دستور. نحن نريد دستوراً حقيقياً لمصر، نريد دستوراً لكل طوائف المجتمع، تشارك فيه وتضع الأفكار الرئيسة له، ويأخذ وقته في المناقشة الحقيقية، وأنا أرى أنه يجب ألا يتم وضع الدستور تحت حكم العسكر، حتى لا يحصل أي تدخل أو إكراه من المجلس العسكري على الجمعية التأسيسية التي ستوكل إليها كتابة الدستور الجديد. عملياً كيف يتم انتخاب رئيس من دون دستور يحدد صلاحياته؟ - «مالها صلاحيات الرئيس»؟... الحديث عن عدم تحديد الإعلان الدستوري صلاحيات الرئيس غير حقيقي. كل من يدعي ذلك فلينظر إلى الإعلان الدستوري. المجلس العسكري يتحكم في كل شيء بموجب الإعلان الدستوري، سيحل الرئيس المنتخب بديلاً من المجلس العسكري ويتمتع بالصلاحيات نفسها، إلى أن تتم كتابة الدستور الجديد، ما نراه يوحي لنا بأننا نعود بالتاريخ والبلد إلى الخلف. كرجل حقوقي كيف ترى قانون العزل السياسي؟ - أنا ضد ترشح رجال النظام السابق في الانتخابات الرئاسية، لكني في الوقت نفسه ضد فكرة استصدار قوانين لعزل أشخاص، ونحن أول من عانينا من مثل تلك القوانين في عهد مبارك، وبالتالي من أصدر هذا القانون من الممكن أن يلجأ في مرات مقبلة إلى القانون أيضاً لاستبعادي أو لاستبعاد أي شخص مختلف معهم في الرأي. ماذا عن برنامجك الانتخابي؟ - البرنامج يقوم في الأساس على محور «العدالة الاجتماعية» إذا رغبنا في إصلاح حقيقي لهذا البلد، الإصلاح لا يتوقف عند مجرد تأسيس ديموقراطية وانتخابات حرة ونزيهة، والشعب يعبر عن رأيه، وإطلاق الحريات للإعلام، التغيير الحقيقي أيضاً، يأتي من سياسات اقتصادية واجتماعية، تراعي خروج كل المصريين من دوائر الفقر، وهو ما لا يتم إلا بوضع خطة للسياسة الاقتصادية والاجتماعية، ومن يرِد الاستثمار وفق هذة الخطة فسنقدم له الضمانات والحوافز الاقتصادية، كما يجب الاهتمام بحقوق العمال، وإطلاق الحريات النقابية، إضافة إلى العدالة الضريبية. أين اليسار المصري من المشهد السياسي؟ - اليسار لم يضعف، اليسار موجود بقدر الإمكانات المتاحة له، وأنا أعتبر التيار اليساري الجندي المجهول في الاحتجاجات التي مهدت للثورة، وكان شريكاً في كل حركات الاحتجاج في الشارع المصري، بداية من حركة «كفاية» وصولاً إلى حركة «شباب 6 أبريل»، وأول تظاهرة خرجت في يوم 25 كانون الثاني (يناير) كانت بقيادة شباب اليسار، لكن التيار اليساري لم يحصد هذه التحركات بتنظيمات واسعة، كما لم يتمكن من اكتساب شعبية في الشارع، والسبب في ذلك عدم توافر الإمكانات المادية المتوافرة لدى التيارات الليبرالية والإسلامية، هذا حدث أيضاً مع الانتخابات الرئاسية، فعندما تعقد مقارنة بين مرشحي التيار اليساري والمرشحين الليبراليين والإسلاميين، نلحظ الفارق في القدرات المادية والدعائية، إضافة إلى ذلك هناك هجوم على التيار اليساري، ووصفه ب «الكافر»، وهذا غير حقيقي، وأدعو إلى انتظار اليسار المصري خلال السنوات القليلة المقبلة، وأتوقع أن الناخبيين سيأتون باليسار إلى الحكم. إذاً، كيف تدبر حملتك الانتخابية؟ - نحاول حشد الداعمين والمتبرعين، ليس لدينا القدرة الدعائية الضخمة، وأعتمد على الظهور في وسائل الإعلام التي تتيح لنا الدخول إلى كل بيت مصري، كذلك بذل كل طاقة ممكنة في النزول إلى القرى والمحافظات، وإن كانت تغطية كل مدن ومحافظات الجمهورية بالغة الصعوبة. الانتخابات تحتاج إلى عنصرين: الأول، بناء تنظيمي سياسي موجود في الشارع وعلى الأرض وهو غير متوافر إلا لدى جماعة الإخوان المسلمين والتيار السلفي والحزب الوطني «المنحل»، وأي مرشح خارج هذا الثلاثي فرصته في المنافسة ضعيفة. أما الثاني، فهو أن يكون للمرشح القدرة المادية الكبيرة. لكن انقسام التيار اليساري بين 4 مرشحين سيؤدي إلى تشتيت الأصوات؟ - لو نظرنا إلى الجانب الآخر فسنجد أكثر من مرشح ليبرالي وأكثر من مرشح إسلامي، أنا أرى أنه كان يجب حصول تحالفات انتخابية بين المرشحين المنتمين إلى الثورة. لكن، للأسف فشلنا في التوصل إلى توافقات. ماذا عن سياساتك الخارجية؟ - مصر في سياستها الخارجية تحتاج إلى تغيير جذري، لدينا من القمم الديبلوماسية التي تستطيع أن تضع مصر على الخريطة التي تستحقها. لكن، للأسف بسبب استحواذ الرئاسة على طريقة إدارة الملفات الخارجية، همشت وزارة الخارجية المصرية، وأعتمد في سياساتي الخارجية على فكرة الثورة كسلاح، هناك فرق بين الشعوب التي كانت تعيش في ظل ديكتاتور والشعوب التي ثارت، وهذا ميزان قوى مهم، وأنا أعتمد على التوجه إلى أفريقيا، والتعامل معها باعتبارها شريكاً ونداً، وليس كتابع لمصر. وإسرائيل؟ - أنا لا أدعو إلى الحرب مع إسرائيل، واتفاق السلام بين مصر وإسرائيل اتفاق ملزم بين طرفين، وحدود التزام (مصر) مرتبط بدرجة التزام الطرف الآخر (إسرائيل)، ولا بد من عودة كامل السيادة المصرية على سيناء، ولن يسمح بدخول الإسرائيليين لسيناء وحتى منتجع شرم الشيخ من دون تأشيرات دخول، وهذا معناه طرح الاتفاق للمناقشة مجدداً، من خلال الطرق الديبلوماسية.