يحاول آلاف الأطفال في قطاع غزة التغلب على صدمات الحرب على الرغم من أن الموارد تبدو شحيحة. عندما يُطلب من طفل رسم شيئ ما، يمكن أن تكون النتيجة صورة منزل تقصفه طائرة إسرائيلية. في مدرسة تحولت الى ملجأ للنازحين في جباليا، شمال القطاع، توزع المعلمات المختصات أقلام تلوين وأوراق على مجموعة من الأطفال الخائفين ويطلبن منهم رسم ما يدور في خيالهم. جمال دياب (9 سنوات) رسم صورة لجده الذي قتل وكتب تحتها "أنا حزين بسبب الشهداء". يقول الطفل الخجول وهو يعرض رسمه "قبل أيام قصفت الطائرات منزلنا، اضطررنا للذهاب بسرعة وترك كل شيء". وبدوره الطفل براء معروف (7 سنوات) رسم أيضاً جده بلا ساقين إثر إصابته في غارة اسرائيلية. وفي الغرفة، تتكرر نفس الصور، الجميع رسم طائرة في السماء تقصف منزلاً وكلها كتب عليها "أريد العودة الى بيتي". وتسأل المعلمة الاطفال الجالسين على حصيرة "من يخاف من الطائرات؟: فتتعالى الأصوات وترتفع الأيادي ليقول الجميع "أنا، أنا، أنا". تقول الطفلة إعتماد صبح (11 عاماً) "أخاف من الصواريخ والطائرات، أكثر من نصف منزلنا تهدم فتركناه وجئنا الى هنا". وتقدر "منظمة الأممالمتحدة للطفولة" (يونيسيف) عدد الأطفال الذين قتلوا منذ بدء العملية العسكرية الإسرائيلية ضد قطاع غزة في 8 من تموز (يوليو) الماضي بحوالي 300. وأما الذين ما زالوا على قيد الحياة يحاولون استيعاب الأمور وعدم كتمان خوفهم من أعمال العنف التي عاشوها أو سمعوا بها. في جباليا، يتوالى الأطفال على ورش الرسم هذه لمدة نصف ساعة، إذ تطلب منهم المعلمات القفز في مكانهم مع إطلاق صرخة وضرب اليدين لمطاردة الأفكار السوداء والإحباط والتوتر المتراكم. ويشرح الطبيب النفسي إياد زقوت الذي يدير البرامج المجتمعية للصحة النفسية التابعة للأمم المتحدة في غزة أن "هؤلاء الأطفال يعيشون تجربة قاسية. من الصعب عليهم حقاً أن يفهموا ماذا يحدث ولماذا اضطروا للهروب من منازلهم والعثور على مكان آخر ليعيشوا فيه، ولماذا شاهدوا تلك المشاهد المؤلمة... لذلك نتركهم يعبرون عن مشاعرهم". وأضاف "كثيراً ما تسبب الأحداث الصادمة تشويهاً معرفياً. الطريقة التي يرون بها ما حدث قد تكون مجتزئة... يمكن مثلاً أن يلوموا أنفسهم أو جيرانهم وهذا ما يمكن أن يكون مضراً للغاية بهم... لذلك نحاول منع هذه الأفكار السلبية"، مؤكداً أنه تم تشخيص حالات من متلازمة إضطراب ما بعد الصدمة وحالات إكتئاب مراهقة. ولكن من الصعب المضي قدماً في العلاج النفسي في قطاع غزة حيث فر نحو ربع السكان أي حوالي 460 ألف شخص من منازلهم ولجأوا الى منازل أقاربهم أو الى مدارس "وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين" (أونروا). إذ لا يوجد سوى أقل من مئة معلم ل"معالجة" مئات الآلاف من الأطفال. وباستثناء الحالات الخطيرة، فإن الأطفال لا يستطيعون الحصول على لقاءات خاصة مع الأطباء النفسيين وعلماء النفس للحصول على مساعدتهم ناهيك عن المتابعة. وبحسب "يونيسيف"، هناك 326 ألف قاصر وطفل بحاجة الى الرعاية النفسية في قطاع غزة، وبينما يستطيع أطفال ومراهقون من الذين نزحوا الى مراكز الإيواء التابعة للأمم المتحدة مواصلة حضور ورشات عمل جماعية، هناك مئات الآلاف غيرهم من الأطفال الذين تأثروا بالحرب ما زالوا يهيمون على وجوههم في الشوارع والأحياء المتضررة.