ما إن بدأت الحرارة ترتفع في النادي الرياضي في الهند حتى إنقطع التيار الكهربائي... فسارع معالج فيزيائي إلى إحضار مصباح للطوارئ وإستأنفت نجمة الملاكمة أم سي ماري كوم تمرينها بضرب كيس الملاكمة. وعلى رغم أن التمرين في ظروف مماثلة لا يعتبر مثالياً بالنسبة إلى شخص يتطلع إلى الألعاب الأولمبية، إلا أن النجاح لم يكن يوماً سهلاً بالنسبة إلى كوم. فمنذ بداياتها كإبنة مزارعين فقيرين في بلدة نائية ومضطربة في الهند، كافحت كوم الملقبة ب"ماري العظيمة" كي تفوز ببطولة العالم في الملاكمة خمس مرات. واليوم، تعتبر كوم وهي أم لولدين الأوفر حظاً في بلدها للفوز بالميدالية الذهبية في دورة لندن الأولمبية، علماً أن كثيرين شككوا في نجاحها عندما بدأت تتعلم الملاكمة. وتوضح حيث تتدرب حالياً في مدينة بومي الغربية: "كان الناس يحبطون عزيمتي قائلين أن ما من نساء ملاكمات في الهند. كان هذا التحدي الأول بالنسبة إلي. فقبلت التحدي لأنه كان علي أن أثبت نفسي". ولدت كوم وإسمها الكامل مانغتي شونغنيجانغ ميريكوم قبل 29 سنة في ولاية مانيبور الشمالية الشرقية وهي الإبنة البكر في عائلة مؤلفة من أربعة أولاد، كافحت لتأمين لقمة عيشها بالعمل في الحقول. وكانت تعشق أفلام الحركة في صغرها وتحب جاكي شان وتعتبر محمد علي بطلها. وسرعان ما أدركت أن شغفها بالرياضة قد يمهّد لها الطريق للخروج من الفقر. وتقول: "تخليت عن الدراسة وركزت على التدريب. زاولت كل أنواع الرياضة كالركض ورمي الأقراص والرماح. يمكنني فعل كل شيء". وعندما سمعت أن الملاكمة النسائية ستضاف إلى بطولات الولاية في مانيبور في عام 2000، شاركت وفازت في المسابقة بعد أربعة أشهر فقط. حاولت كوم أن تخفي نشاطها الجديد عن أهلها، لكن عندما نشرت صحيفة محلية خبر فوزها، طلب والدها التحدّث معها. وتقول: "خشي أن أتعرّض لإصابة وأن يعجز عن إعالتي مادياً. لكنني تمكنت من إقناعه ووافق في النهاية". وقد أعطى عزم كوم ثماره إذ أتاح لها الحصول على ألقاب دولية عدة وعلى جوائز تكريمية وأخرى مادية لمساعدة عائلتها. ووجدت كوم الوقت لتأسيس أكاديمية للملاكمة وللزواج وإنجاب توأمين صبيين يبلغان من العمر اليوم أربع سنوات، يهتم والدهما بهما في مانيبور بينما تكون هي منشغلة بالتمرن في النادي. وعلى رغم حماستها وموهبتها، تقول كوم إنها لم تحصل على رعاية من أحد وإن هذا النقص في الدعم يزعجها. وتضيف "لا أدري إن كان السبب يتعلق في أننا لا نبدو هنوداً"، في إشارة إلى سكان ولايتها الذين يعيشون قرب الحدود مع ميانمار ويشبهون الصينيين أو سكان جنوب شرقي آسيا. تضم مانيبور 2,7 مليون نسمة وقد شهدت طوال عقود أعمال عنف يومية، لا سيما أنها تأوي مجموعات ثورية مختلفة تتراوح مطالبها بين الحكم الذاتي والإنفصال وتتواجه في اشتباكات دموية بسبب مشاريعها المتناقضة. وأصبحت كوم بطلة محلية وبصيص أمل في مانيبور حيث أسست أكاديمية لتقدم إلى الفتيات والفتيان الأقل حظوة فرصة السير على خطاها. وتذكر أن "الأولاد أتوا إلي وطلبوا مني التمرن ولم أستطع أن أرفض طلبهم. فمعظهم فقير جدا". وهي تأمل في أن تصبح مصدر فخر أكبر بالنسبة إلى مسقط رأسها. وبغية المشاركة في الألعاب الأولمبية في لندن، يتوجب على كوم التأهل عبر بطولة العالم التي تنطلق في الصين يوم 9 أيار (مايو) الجاري. لكن كوم التي يبلغ طولها 157 سنتيمتراً قد تجد نفسها أمام منافسات أطول بعد أن إنتقلت من فئة 48 كيلوغراماً إلى فئة 51 كيلوغراماً، التي تعتبر الأخف وزناً من بين الفئات الثلاث في لندن. وإستعداداً للأولمبياد، تتمرن مع رجال أطول منها قامة وأثقل وزناً.