السبت 28/4/2012: الذات والموضوع تقديم الذات وتعبيرها الأدبي على الموضوع، هو ما وسم كتابة جبران خليل جبران، التي اعتبرها جيل الستينات العربي غير عميقة، وربما غير مسؤولة، لاستغراقها في الرومانسية وفي أبنية الخيال، لكن الموضوعية التي وسمت الستينات وفكرها تبين انها أفكار عارضة تنطوي بانطواء المرحلة. وحده جبران بقيت كتاباته وإن لم تحظ بإعادة ترويج إعلامية. القارئ العربي يحتاج دليلاً يذكره، في مرحلة اللجوء الى النسيان لحفظ النفس من الفوضى. وهناك نظرة الى فردريك نيتشه على أنه أوقف الفلسفة على رجليها حين أعاد الأولوية للذات مقابل الموضوع. كانت الفلسفة باعتبارها جامعة لأنواع المعرفة تهتم بالمنهج (بالمنطق) لتستطيع جمع المختلف، وبذلك استغرقها الموضوع وأهملت الذات، أي ذات الفيلسوف كإنسان فرد. لهذا الأمر، ربما، كانت التراجيديا اليونانية، ومعها الأساطير، أكثر دلالة من الكتابات الفلسفية، بل ان افلاطون كما عبر عنه سقراط هو صاحب أبنية خيالية، أكثر منه صاحب منهج ومعنياً بموضوع. أتهيأ لحضور مؤتمر في الولاياتالمتحدة يهدف الى تأسيس «الرابطة الدولية للدراسات الجبرانية» حيث تقدم 22 ورقة بحثية عن جبران خليل جبران، هذا الكاتب المهجري المحظوظ في نظر زملائه في «الرابطة القلمية» في نيويورك، والذي انقسم الناس فيه بين معجب أشبه بمريد، وحاسد يعمد الى تشويهه، ومستهتر يقلل من شأن كتاباته ويعتبرها بلا طائل. التركيز على الذات هو ما أبقى الكتابات الجبرانية. الذات التي تحرقنا نحن الشرقيين ووحدها مؤهلة لإطفاء الحريق. الأحد 29/4/2012: من خطاب محب كتاب رولان بارت «شذرات من خطاب محب» صدرت ترجمته الكاملة عن المنظمة العربية للترجمة في بيروت، بتوقيع علي نجيب ابراهيم الأستاذ في جامعة تشرين السورية، ومراجعة الطاهر لبيب أحد أبرز عارفي بارت في باريس، والكتاب متبوع بصفحات غير منشورة لبارت في الموضوع نفسه. من الكتاب: «لكي أنجو من القطيعة مع الواقع - لكي أُرجئ وُقوعها - أسعى الى أن أجعل من مزاجي العكر رباطي مع العالم، وأتحدث خطاباً مضاداً لشيء ما: «أنزل في روما، فأرى ايطاليا بأسرها تنقد ذاتها أمام ناظري، إذ لا سُلعة، خلف واجهتها، تثير الشهية، وعلى طول شارع «فيا دي كوندوتي» via dei Condotti، حيث كنت قد تبضعت، قبل عشر سنوات، قميصاً حريرياً، وجوارب صيفية ناعمة، لا أجد من شيءٍ غير بضائع عادية. في المطار، طلب سائق سيارة الأجرة أربعة عشر ألف لير (بدل سبعة آلاف) لأنها مناسبة «يوم الجسد» (corpus Christi). يخسر هذا البلد على المستويين: يقوض اختلاف الأذواق، لا التفاوت الطبقي... إلخ». ويكفي بالمقابل أن أمضي أبعد قليلاً حتى تصير هذه العدوانية التي كانت تجعلني أعيش مرتبطاً بالعالم، تخلياً ربانياً: ألجُ مياه الانفصال عن الواقع الكئيبة. «ساحة الشعب» (Piazza del Popolo) (في يوم عطلة)، حيث الناس كلهم يتكلمون، هي في حال من التباهي (أليست اللغة كذلك: تباهٍ؟) عائلات، عائلات، ورجال يستعرضون، وشعبٌ حزينٌ ومُهتاج... إلخ». ليس هذا موقعي، لكن ما يجعل الحداد مضاعفاً هو أن ما أنا مقصِي عنه لا يثير شهيتي. ثم ان طريقة القول هذه، من خلال خيطٍ لُغوي أخير (خيط الجملة الصحيحة)، توقفني على حافة الواقع المبتعد متجمداً رويداً رويداً، مثل منمنمة الفتى فرتر المبرنقة (فالطبيعة، اليوم، هي المدينة)». الاثنين 30/4/2012: الصوت والهواء الأصوات تحتل الهواء. نسمع الصوت ونتنفسه، يقتحم خلايانا، فليس للعزلة مكان، بالتالي ليس للكتابة مكان. تختلط الكلمات بأصوات الآخرين، تنطبع ببصماتهم، كأنني آلتهم ولست الكاتب. تجلس منفرداً في زاوية المقهى، آخر المقاهي في بلاد الجلسات السريعة، نصف اغماضة للدخول الى الذات، الباب مقفل والمفتاح تآكل بالزنجار. استرخاء بقدر المستطاع، الورق عالياً وقلم الحبر الناشف يكتب سطراً أو سطرين ويتوقف، مطلوب تغيير وضع الجسد. ليس للعزلة مكان ولا للتأمل. محبوسات النفس المفترضة لا أمل بإطلاقها، تشدك الأزمات السياسية، الحروب، هي نفسها تتكرر، ومع ذلك تتطلب اهتمامك، فقط لتتقي الحريق. هذا اهتمام سلبي يمنع العيش مع الذات ويحوله ديبلوماسية باردة مع الآخر. بلاد لقتل يسمونه حرباً، لهدم يسمونه تغييراً. وحده الإنسان يتكرر، أعني، إنسان للعيش الجسدي ولا وقت لديه ليعرف نفسه، ليحاول على الأقل. الثلثاء 1/5/2012: عيد اليوم عيد العمال. من يذكر؟ مهرجانات لأحزاب تتبادل التهم وتستخدم تعبيرين: عيد العمال، كناية عن أن المجتمع طبقات، والطبقة العاملة هي الأكثر عدداً والمدعوة الى التغيير. ثم هناك عيد العمل، كناية عن وحدة المجتمع وأن الطبقية تفككه، فيما الجميع مدعوّ الى الإنتاج في المواقع كلها. الآن لا عيد ولا عمال. ثمة خلط تسببت به مؤسسات الخدمات وتبادل المعارف والصور والأفكار. صار من الماضي ان نرى فلاحاً يعمل في حقله أو عاملاً يتحرك في المصنع لابساً ثوبه الأزرق. الأربعاء 2/5/2012: وديع سعادة لن ألتقي وديع سعادة في لبنان. انها فرصة أفوتها مع الشاعر العائد من غربته الأسترالية، ولأن العودة موقتة، فالأفضل أن نلتقي في سيدني أو في مونتريال على أن يجمعنا تقاطع لبناني كان يحضن جيلنا قبل أن نتفرق في العالم. يكرمون وديع سعادة في دار الندوة في بيروت، حسناً، لكن التكريم الحق هو الاهتمام بالشعر، شعر وديع سعادة وغيره ممن يفتقدون الحواريين، أو لم يكن لهم حواريون أصلاً. يكرمون وديع سعادة حين أكون في واشنطن متحدثاً عن عمنا جبران خليل جبران، قبل أن أزور مونتريال حيث شعراء يخجلون بقصائدهم أمام رجال الأعمال. سيعود وديع الى استراليا، حيث لن يخجل بشعره، فلمثله يكون الشعر في لبنان والمهجر. كتب ذات يوم: يتركون عيونهم ويمشون متكئين على نظرات قديمة مسجى على أجسادهم صمت مسجاة نسائم موتى أرواح أمكنة أبيدت وفي بالهم إذا مرّ غيم ينزل المطر على حقولهم البعيدة - يمشون وحين يتعبون يفرشون نظرة وينامون.