إذا كان حديث السياسة أمسى الشغل الشاغل لشعوب العرب بعد ربيعهم، فإنه لدى من أُوتوا نصيباً من علم الشريعة والفقه آكد وأهم. خصوصاً بعد أن أطل الإسلاميون برؤوسهم على منصات الرياسة والحكم والحل والعقد. ويعكف خبراء السياسة الشرعية على مراجعة التراث الإسلامي بإلهام أحداث اليوم، بدءاً بشكل الدولة الإسلامية ودستورها، وآلية الحكم وإدارة شؤون العباد، وليس انتهاء باختيار المسؤولين من وزراء وكبار موظفين، وهذا الأخير هو ما اختاره الباحث الشرعي، عضو مجمع الفقه الدولي، أستاذ نظم الحكم في جامعة الملك عبدالعزيز الدكتور حسن سفر ببحث عنوانه «السياسة الشرعية في اختيار وزراء الدولة الإسلامية»، مستنداً إلى التأصيل الشرعي من الكتاب والسنة النبوية ومصادر السياسة الشرعية. يقول سفر: «الوثائق السياسية والتجارب الاختيارية في تعيين الوزراء في العالم العربي والإسلامي تقوم وفق آليات ومنظومات يمكن تصنيفها كما أشار إليها فقهاء السياسة الشرعية وعلم إدارة الحكم»، محدداً التجارب الواقعية في أنظمة الحكم، إما على الاختيار القائم على جدارة الشخص وسمعته النظيفة وسيرته الناصعة وتخصصه في المجال المختار له، أو الاختيار السريع سداً للفراغ القائم على الارتباك من دون الفحص أو التنقيب، ويكون في هذه الحالة تم الاختيار من منطلق المجاملة والمحاباة لقرابته أو علاقته بدواوين ومطبخ الاختيار أو صحبة في لجنة عليا مشّكلة لهذه المهمة، أو التوصية الكبيرة والدفع السريع كما حدث ويحدث في بعض الأنظمة في عالمنا العربي والإسلامي لمصالح شخصية وقطف ثمار دنيوية، أو تنصيبه قائماً على دفع وتأثير لا حول لمطبخ وصانعي القرار فيه ولا قوة، كأن يكون عيناً لدولة كبرى لها نفوذ ومصالح وسيطرة على التركيبة الوزارية في العالم العربي والإسلامي المشلولة فيه الديموقراطية والشورى. ويضيف: «إذا عاينا نصوص وتراث فقهنا السياسي والإداري الإسلامي، نجد أن أدبيات الحكم والدولة تشير إلى أن ولاية أمور الناس تعتبر من فروض الكفايات، وهي من أهم واجبات الدين بل لا قيام بأمور الدين والدنيا إلا بحسن اختيار ولاة وعمال ووزراء الدولة الإسلامية، إذ ان الوزارات ومنصب الوزير تعتبر من المراتب الجليلة والصفات الجميلة التي تشد قواعد الممالك وتسد مكايد الشيطان الغوية، وذكر الإمام الفقيه الطرطوسي في سفره القيم سراج الملوك أن «أشرف منازل الآدميين الرسالة ثم النبوة ثم الخلافة ثم السلطنة ثم الوزارة». وقد قالت العلماء: «صلاح الدنيا بصلاح الحكام وصلاح الحكام بصلاح الوزراء، ولا يصلح الملك إلا لأهله ولا تصلح الوزارة إلا لمستحقها». وروي عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا أراد الله بالأمير خيراً جعل له وزير صدق إن نسي ذكره، وإن ذكر أعانه، وإذا أراد به غير ذلك جعل له وزير سوء إن نسي لم يذكره وإن ذكر لم يعنه». ويستنتج: «إذاً، فخير الوزراء أصلحهم لتملس حاجات الرعية، وأصدقهم نية في النصيحة عند سيده، وأشدهم ذباً عن النظام إذا حقق مهام وظيفته بالإخلاص والأمانة والبعد عن الخيانة للأمة ولسيده، الذي لا يسعى إلى جلب المصلحة لنفسه ويوظف كرسي الوزارة لبطانته ومن يحيط به. ولتحقيق هذا الواجب المحقق اشترط الفقه السياسي الإسلامي شروطاً يجب توافرها في الوزراء للدولة الإسلامية بينها الإمام الفقيه الماوردي رحمه الله في كتابه «الوزارة وأدب الوزير» قائلاً: «ينبغي أن يتصف بصفات وكفاءات تتعلق بطبيعة أعماله ومهام وظيفته من الدين، والخلق والدماثة والرجولة الراشدة والنضج العقلي والاستقرار العاطفي، وعدم الاشتغال بالتجارة والصفقات التي يشترطها، أو تقدم له وهو على كرسي الوزارة»، مشيراً إلى أنه ينبغي أن يتفرغ لمنصبه، مؤكداً ذلك بحديث سنده للنبي صلى الله عليه وسلم يقول فيه: «إذا اتجر الراعي هلكت الرعية». ويعتبر سفر أن العدل أمر أساسي في الحاكم والوزير إذ هو قوام الحكم، «فيجب أن يكون الوزير منصفاً فيسلم الشعب من ظلمه وظلم غيره، والوزير القائم بالحق والعدل يملك ظواهر القلوب وسرائرها، أما إذا كان جائراً قاهراً فلن يستمر حاكماً مهما استعمل وسائل القهر، فإن الظلم إيذان بخراب المماليك والعمران. واستدل فقهاء السياسة الشرعية بآيات من القرآن الكريم ومصادر التشريع الإسلامي وانتهوا إلى تلك الشروط التي اشترطوها في الوزير، ومن هذه الآيات، الآية الجامعة للسياسة العامة للدولة الإسلامية القائمة على المطلب الشرعي والقانوني المقتضي وجوب العمل بالسياسة العادلة والولاية الصالحة، قال تعالى: «إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها، وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل، إن الله نعما يعضكم به، إن الله كان سميعاً بصيراً». وإذا كانت نظم الحكم في الدولة الإسلامية والتي تقوم مناهج الحكم وآليات التنفيذ على اتسام نظام الحكم بالشورى، والحرية، والمشاركة في مستويات الحكم ليست فيها النزعة الاستبدادية والديكتاتورية، فإن من أخل بواجبات ما أنيط به من وزراء الدولة الإسلامية وتحقق تقصيره وخيانته وعجزه أو قلت هيبته وكثر انتقاده، فيكاد إجماع الفقهاء على وجوب عزله ومحاسبته وفق القواعد الشرعية والقانونية لمحاسبة الوزراء وموظفي الدولة الإسلامية وإلا كانت الأمور فوضى، وحمّل الإمام ما قصر به وزراؤه، ووُجه النقد اللاذع عليه، كما حدث في أنظمة الحكم في الربيع العربي عندما فشلت السلطة التنفيذية العليا في اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، وتعرضت لهزات عميقة وصراعات عنيفة وتغييرات، فجاء الحكم بالثورات والانقلابات والفوضى العارمة وكان الضحية شعب الدولة، وفقر الرعية، وانهيار المؤسسات. النهج الشرعي في اختيار الوزراء وعزلهم «سعودياً»