1 لن أُفاجَأ مطلقاً، إذا رأيت يوماً، قصيدةً أو لوحةً تسير في شارع عربي، تحمل بندقيّةً «حديثة»، وليس في جعبتها غير الرّصاص «الحديث». 2 «لا تخافوا. نعرف كيف نهدم حياة أعدائكم نعرف كيف نسهر على موتكم». 3 - «بقي لكَ من العمر ثماني سنوات»، قال لي الطبيب. ثمّ تابع قائلاً: « هذا تقديرٌ طبّي يستند إلى حسابات علميّة خاصّة بأنواع محدّدة من الأمراض السّرطانية. وأقول ذلك جواباً على سؤالك. وأعرف أنّك تحب الصّدق. جيّد. لا أُريد أن أُعمّر أكثر من ذلك، حتّى في الحالة العاديّة، دون أيّ مرض. إذاً، سأموت في الثامنة والثمانين من عمري. رقم جميل» تذكّرت هذا الحوار مع الصّديق الطبيب، فيما كانت الطّائرة تقلع من بيروت إلى باريس، 19 . 9 . 2011. في الجوّ. أرى من نافذة المقعد إلى شواطئ لبنان المتوسّطيّة. للمتوسّط، هو الاخَر، موته الخاص، وهو موتٌ يوميّ. «تتحدّث عن الموت ؟ انظر. ليس في البحر «تحتك» غير أمواج الحياة». تخيّلتُ أنّ امرأة تهمس لي. يبتعد البحر أُفقيّاً. يبتعد عموديّاً، مغموراً بالزُّرْقة الموشّحة. وما هذه الغيوم ؟ خيوطٌ بيضٌ تنسج لحصانٍ اسمه الأُفق سَرجاً متنقّلاً من الزُّرْقة. صوت الطائرة رعدٌ آخَرُ متواصِلٌ يسبح في أحضانِ الفضاء. أجنحةٌ داخل جسدي. غير أنّني لا أُحسُّ أنّ في أعماقي طيوراً ميّتةً. أُحسُّ أنّ أعماقي عرفت أعشاشاً لا يزالُ قَشَّها يتناثر في أحشائي. أنتبه الآن إلى أنني لم أقدر أن أزورَ أمّي، منذ فترة طويلة. 4 للوقت أنيابٌ تقيس المسافات. 5 دائماً أسمع السَّماء تهدد الأرضَ. دائماً أسمع الأرض تمتدح السَّماء وتمجّدها. أيَّهُما الأرْفعُ خلقاً، أيّتها اللُّغة ؟ 6 «نعم، يمكن أن تُحَوَّل النَّملةُ إلى نجمة، والنّجمةُ إلى بقرة» : هذا كلامُ عَقْلٍ يرشّح نفسه لقيادة العالَم. 7 لو كان لِلَيْلِ هذا العالم كَلْبٌ، لكنتُ اقترحْتُ على النّهار أن يمنحَهُ الحقَّ في حِراسة النجوم. 8 بَشَرٌ لا يشربون الماءَ إلاّ ممزوجاً بالدّمع. 9 مراراً، حاوَلَتِ السَّماءُ أن تعطيَني شفتيها. غيرَ أنّني كنتُ أتردّد، لأنّني لا أُريدُ أن أفقدَ شهوات الأرض. أو أن أُشاركَ في طمس الطّاقة الخلاّقة : طاقة الرّغبة. 10 لماذا توقّف القمر عن حراثة نسائه؟ كان له دولابٌ، فيما أظنّ، وقد خسره مؤخّراً في طريقه إليهنّ. وهو يسير الآن على عُكّازٍ أعمى. 11 كلاّ، لا تملك الرّيحُ إلاّ الغبار، كلاّ، لا ملك لأحَدٍ خارج الحدود التي ترسمها الرّيح. 12 من الخطأ القول إنّ للإنسان قدمين تميّزانه عن الحيوان. لكي يتميّز الإنسان حقّاً عن الحيوان، لا بُدّ من أن يكون عاشقاً. 13 إنَّ للدَّهْرِ ثَلْجاً يتساقَطُ من كلّ صَوْبٍ، ويُفَرِّخُ في كلّ حقلٍ : سواءٌ إنْ أردْتَ، وإنْ لم تُرِدْ. لا تَسَلْ، لا يهمُّ سؤالُكَ: من أينَ يأتي، إلى أينَ يَمْضي ؟ 14 منذ البداية، كان الشّعر الخيطَ الذي ينزل في ثقب إبرةٍ اسمها الأرض، لكي يخيطَ للكون ثيابَه العاشقة. 15 إنْ كانَ لي جَذْرٌ أو انتماءٌ، فلستُ أجِدهُ إلاّ في اللّغة. 16 ثُكُنَاتٌ خرائِطُ نارٌ صوَرٌ واجهاتٌ إنَّهُ الفجر يعرجُ، والشّمس فرّت وماذا يفعل الزّهْرُ ؟ نَمْلٌ فُتاتٌ. بَشَرٌ يَهْربُون إلى رَبِّهم. لا حقيقةَ إلاّ في نهاية قَعْرٍ. 17 أُغْلِقَ البابُ، والوردةُ التي تَفْتَحُ الحقل لم تَتَفتّحْ. 18 يُقاتلون الشّيطان ؟ حسَناً. لكن، لماذا يُقاتلون أيضاً لكي يَبْقى حيّاً إلى الأبَد ؟ أهُناك اتّفاقٌ عَلَنيّ على الحَرْب ؟ وآخَر سِرّيٌّ على السِّلم ؟ 19 الكتاب في العالم، كما تقول الحياة، وليس العالم في الكتاب، كما يقول الموت. 20 كاتِبٌ لا يُصْغي أوّلًا إلى اللغة، كيف يُمْكنه أن يُصغيَ إلى العالم؟ 21 فَرْقٌ بين كتابَةٍ تكون فيها الكلمة كمثل قطعةٍ من جسم الكون، وكتابةٍ تكون فيها الكلمة كمثل قطعةٍ من الثوب الذي يلبسه هذا الجسم : كتابة تجد نفسها في الحكاية، وكتابة تجد نفسَها في التّاريخ. 22 قلت للوهم : كُنْ لي رفيقاً، أَعِنّي على واقعي. لا أُحبُّ دخان الوقائعِ والواقع الذي تتحدّر منه جُرَذٌ يقرُض الحقيقةَ، ماضٍ يمدّ الشِّباكَ وفي الحاضرِ ارتياحٌ له شاهِدٌ شابَ من حَيْرَةٍ يخلق الآنَ دَعْوَى يَتَفَنَّنُ في نقضها تارةً وإبْرامها تارةً ولماذا لا يقول له من يُبيح ومن يسْتَبِيحُ الكلامَ : وداعاً ؟ 23 يكسر العقل مِصْبَاَحَهُ ويسافرُ في لَيْلِهِ، ويؤثر أن يتشرَّدَ فيهِ.