أمر رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان، بتوسيع التحقيق في الانقلاب السلمي على حكومة سلفه الإسلامي نجم الدين أربكان، ولن يطول الأمر قبل أن نرى رجال أعمال وصحافيين يقتادون الى التحقيق نزولاً على رغبته. ويبدو أنه لم يكتفِ بمحاكمة العسكر الذين وضعوا مخطط الانقلاب وأمروا بتنفيذه، فدعا في بلاغ عام الى التحقيق مع كل من تعاون في تنفيذ ذلك المخطط لحمل أربكان على الاستقالة، سواء تعاون مرغماً أو متعاطفاً. فوفق تحليل أردوغان، الأزمة الاقتصادية التي ضربت تركيا في 2001 مردّها إلى إسقاط حكومة أربكان والمخطط الانقلابي السياسي. ويقول رئيس الوزراء: «هناك من جنى ثروة نتيجة الأزمة حين بلغت نسبة الفائدة الليلية 1500 نقطة». ويشير إلى أن فاتورة الأزمة الاقتصادية كلفت تركيا 20 بليون دولار، ويعزو الكلفة هذه الى الانقلاب، ويزيد أنه ادعى على من تجب محاسبتهم. لا يمكن أن نعلم أو أن نحدد من هم الذين يقصدهم رئيس الوزراء. ولكن يمكن أن نفهم أن أردوغان يتحدث عن الذين كانت لديهم وفرة وسيولة مالية أثناء الأزمة الاقتصادية، واستفادوا ضمن قوانين السوق الحرة من تلك الفرصة، من طريق رفع أسعار الفائدة أمام الطلب الكبير وهامش الخطر المرتفع. وهو أمر مشروع في كل الاقتصادات الحرة، لكنه من وجهة نظر أردوغان جريمة يجب أن يحاسب كل من قام بها لأن الأزمة الاقتصادية تزامنت مع مرور 5 أعوام على إطاحة حكومة أربكان. هنا يربط رئيس الوزراء بين الانقلاب السياسي والأزمة الاقتصادية التي تلته بعد 5 سنوات من دون تقديم دليل واضح مقنع يربط بينهما. ويتهم أردوغان المستفيدين من رجال الأعمال في ظروف الأزمة بأنهم شركاء في الانقلاب السياسي، ويطالب بمحاكمتهم بتهمة الانقلاب العسكري. لكنه لا يقف عند هذا الحد بل ان رحلة صيده للساحرات تمتد الى الإعلام الذي يتهمه بدعم ذلك المخطط الانقلابي. ويوجه اصابع الاتهام الى بعض رؤساء التحرير وبعض أصحاب الصحف ممن أيدوا إطاحة أربكان، وهم لا يزالون على رأس عملهم. ويخلط أردوغان بين الجرم القانوني و الموقف السياسي أو الأيديولوجي أو الاجتماعي. ويقحم أموراً في قضية الانقلاب العسكري على أربكان ليست من صلاحيات القضاء، والحق أن العدالة في أي بلد ليست حكراً على مَن هم في السلطة وأتباعهم. ويفترض أن يستند القضاء الى أسس مطلقة غير مرتبطة بأهواء السياسيين، فالجريمة تعرّف تعريفاً مطلقاً، وليس على ما يرى أردوغان، تعريفاً مطاطاً يتغير على وقع السجال السياسي القائم ولمصلحة من يمسك بمقاليد الحكم والقوة. وما يحدث في تركيا هو تطويع المؤسسة القضائية من أجل تصفية الخصوم السياسيين. فعلى سبيل المثل، ينشر بعض وسائل الإعلام المقربة من الحكومة قوائم بأسماء سياسيين ورجال أعمال وصحافيين، ويتكهّن بأن الدور سيأتي عليهم. ثم يعلن أردوغان أن نطاق التحقيق سيتوسع الى ساحتي المال والأعمال، وكذلك الإعلام. فأردوغان يرمي الى وضع هؤلاء تحت الضغط النفسي والتهديد. وفي هذا السياق، نتساءل هل هناك فرق بين ما يقوم به أردوغان اليوم وبين ما فعله الانقلابيون للضغط على حكومة أربكان وكل من ساندها اقتصادياً وإعلامياً؟ يبدو أن رئيس الوزراء يُعد لتشديد القيود والضغوط على الإعلام والصحافيين. فتوجيه الاتهامات الى عشرات من الصحافيين حول أدائهم والأخبار التي نشروها في 1997، أمر يسير، ولكن من أين لقاضٍ أن يقوّم ما اذا كان ذلك الخبر المنشور يستحق أن ينشر أو لا؟ هي حملة جديدة تهدد الحريات العامة ولا نعرف مآلها وخاتمتها وحدودها. * صحافي، عن «مللييت» التركية، 30/4/2012، اعداد منال نحاس