بدأت محاكمة أندريس بريفيك في أوسلو الاثنين الماضي. وهو نصّب نفسه قائد ما سماه «حركة المقاومة النروجية»، وأقر بقتل 77 شخصاً في تموز (يوليو) المنصرم. لكنه نفى مسؤوليته الجنائية عن المجزرة بذريعة أنه كان يحمي النروج من الهجرة الإسلامية. وإذا خلصت المحكمة الى أنه غير سليم عقلياً ومصاب بمس، احتجز بريفيك في مركز صحة عقلية الى حين شفائه. وإذا لم يثبت «مرضه»، تبلغ أقصى عقوبة يواجهها 21 سنة. ويستطيع القاضي تمديد فترة سجنه إذا ثبت ان قدرته على الايذاء لم تنحسر. والحق أن مثل هذا الحُكم يغالي في التساهل والتسامح قياساً الى معايير العدالة الاميركية. فعلى سبيل المثل، يتوقع أن يُسجن جورج زيمرمن مطلق النار على الشاب ترايفون مارتن، مدى الحياة أو 25 سنة على الأقل، إذا دين بجريمة قتل من الدرجة الثانية. فالعقاب هو ركن النظام الاميركي الاول، وهو أقرب الى الثأر. وركنه الثاني هو «الاحتواء» أي عزل الاشخاص الخطيرين عن الشارع. ويبدو أن مثل هذا النظام العقابي هو الأمثل في الاقتصاص من مجازر «بريفيكية». ولكن إذا استُثنيت الحالات الأفدح مثل مجزرة بريفيك، يبدو نظام العدالة النروجي وسياسة السجن فيه - وهو يُرمي الى إعادة التأهيل - أكثر عقلانية ونجاعة. فالسجون الأميركية هي في حال مخزية وخطيرة، وبحسب تقرير صادر في 2005، اعتُدي جنسياً على أكثر من مليون شخص في السجون خلال العقدين الماضيين. والسجون مكتظة، ففي الولاياتالمتحدة 751 سجيناً من كل 100 ألف نسمة، وثمة 2.3 مليون شخص وراء القضبان. وعدد السجناء هذا يفوق نظيره في الدول الديموقراطية الاخرى. ولا تردع ظروف السجن القاسية المجرمين، ولا تحول دون عودتهم الى الجريمة، إثر الافراج عنهم. وينتهي الأمر ب60 في المئة من أصحاب السوابق الى السجن بعد سنتين على إطلاقهم. ويبلغ عدد السجناء في النروج 71 سجيناً من كل 100 ألف نسمة. والسجون النروجية تشبه المجمعات الجامعية السكنية، وفق مقالة نشرها موقع «دايلي بيست» في 2011. وثمة سجن على الحدود مع السويد حراسته الامنية مشددة ويُعتقل فيه القتلة والمغتصبون. وجدران السجن هذا مطلية باللون الاخضر الفاتح، وأثاثه من الخشب ويشبه أثاث شركة «إيكيا» الأنيق. وتزود كل زنزانة بتلفزيون حديث مسطح الشاشة، وبحمام خاص ونوافذ واسعة لا تسورها القضبان. وللوهلة الاولى، يحسِب المرء ان مثل هذه السجون تبدد الأموال العامة، ولا جدوى ترتجى منها. لكن هذه السجون المريحة لا تستقطب النزلاء أنفسهم اكثر من مرة. فنسبة استئناف السجناء السابقين الجنح والجرائم، بعد سنتين على الإفراج عنهم، لا تتجاوز 20 في المئة. ويبدو أن سياسة السجون النروجية الرامية الى إعادة التأهيل أنجع من سياسة السجون الاميركية. وقد يقول قائل إن النروج بلد صغير ومعدلات الجريمة منخفضة فيه، فيما باع اميركا الواسع في الجريمة والعقاب لم يفضِ الى نظام أفضل لجبه الجريمة. * صحافي، عن مدونة «لويل اوبوزيشن» نشرتها «نيويورك تايمز» الاميركية، 16/4/2012، إعداد منال نحاس