بروكسيل - أ ف ب - تفتح خمس مدن بلجيكية «عيناً على فلسطين»، عبر استضافتها مهرجاناً يحمل العنوان نفسه حطّت عروضه أخيراً في بروكسيل. ومن خلال عروضه الفنية المتنوعة، يحاول منظموه إظهار «ما يحدث عندما لا يحدث شيء في فلسطين»، قاصدين صورة «الحياة اليومية» للفلسطينيين خارج نشرات الاخبار. والمهرجان الذي يشمل عروضاً سينمائية ومعارض فنية ومحاضرات، جاءت فكرته عندما قصدت مجموعة من الفنانين والكتاب البلجيكيين من مدينة غانت الضفة الغربية قبل ثلاث سنوات وأنتجوا أعمالاً فنية وأدبية متأثرين بما شاهدوه وعايشوه. فقرروا عرضها في مهرجان نظمته مدينتهم تحت عنوان «عين على فلسطين». وفي دورته الثالثة التي افتتحت السبت الماضي في بروكسيل، يرى منظمو المهرجان السنوي، أنه حقق «تقدماً مرضياً» خلال وقت قصير، فيقول مهدي ماريشال أحد المنظمين، إن المهرجان بدأ في مدينة واحدة، أما اليوم فتقام عروضه في خمس مدن. ويضيف: «نحن بحاجة دائماً إلى تسليط الضوء على فلسطين التي لا يتعرف عليها الجمهور الغربي إلا في حالات الكوارث والانفجارات». افتتح المهرجان بمعرض لصور فوتوغرافية التقطها فنانون بلجيكيون وفلسطينيون، حملت كل سلسلة منها موضوعها الخاص. وفي مركز «داركوم» الفني (دار الثقافات المغربية والفلمانية) الذي افتتح قبل أشهر قليلة في قلب العاصمة البلجيكية، بدا أحد الجدران كجدار في الضفة الغربية، فالمصور البلجيكي ساندر بوك اختار أن يصوّب عدسته باتجاه ما تبقى من صور علّقها الفلسطينيون لشهدائهم على الجدران. وخلف هذه الصور قصة طريفة يرويها بوك الذي كان يرافق لوحة للفنان الاسباني الراحل بابلو بيكاسو، العام الماضي، خلال نقلها من متحف في مدينة أنتويرب البلجيكية لتكون أول لوحة من نوعها تعرض في رام الله. كان مكلّفاً التقاط مجموعة صور لهذه «الرحلة» على مدى ثلاثة أشهر. وخلال بحثه عن موضوع يربط لوحة بيكاسو والمكان الذي تعرض فيه، جذبته الملصقات المتآكلة على الجدران، بعدما لاحظ أن «هناك صور بالفعل تشبه رسوم المدرسة التكعيبية» التي يعد بيكاسو من أبرز رموزها. وكانت بعض الملصقات تبدو مثل لوحة تجريدية، بالكاد يمكن التعرف على ملامح الشخص فيها. وبعضها يشبه بالفعل لوحة تكعيبية بعد التشطيبات التي أحدثها المارة فيها. ويقول المصور البلجيكي الشاب، إن المهم بالنسبة إليه كان «إعداد وثيقة تاريخية. فبعد عشر سنوات قد لا يبقى شيء من هذه الملصقات». ويضيف: «أحب الفكرة الشعرية المتعلقة بكيفية تلاشي هؤلاء الابطال الفلسطينيين على الجدران». لكن لم يكن من السهل شرح هذه «الفكرة الشعرية»، بحسب ما يسرد بوك. فعندما كان يلتقط صور الملصقات المتآكلة كان بعض سكان الأحياء يخرجون إليه حاملين نسخة من الملصق الأصلي ويطلبون منه التقاط صورة له. وكانوا يرددون أنه من غير اللائق تصوير الشهداء في ملصقات متهالكة على الجدران. يعرض بوك مجموعته هذه بعنوان «جدران الضفة الغربية». وهي تأتي ضمن معرض أكبر يجمعه مع مصورين آخرين تحت عنوان «الغياب المرئي»، فيعرض المصور البريطاني المقيم في مخيم عايدة في بيت لحم ريتش وايل، مجموعة صور التقطها شباب فلسطينيون، وطلب منهم اختيار صورة تعبر عن أحلامهم وأخرى عن كوابيسهم في سلسلة أطلق عليها اسم «أحلامنا وكوابيسنا». وفي إطار افتتاح المهرجان، استضاف المنظمون إيلا شوحات التي تتحدر من عائلة عراقية يهودية، لتتحدث عن كتابها «سينما اسرائيلية» الذي صدر في طبعة جديدة أخيراً. وكان الكتاب أحدث ضجة في اسرائيل بعد صدوره أواخر الثمانينات، إذ تتطرق شوحات فيه الى التمييز ضد اليهود العرب والصورة المنهجية للتمييز ضد الفلسطينيين. وشوحات الاستاذة المحاضرة في الدراسات الثقافية والشرقية في جامعة نيويورك حيث تقيم، تحدثت عن كيفية نشوء السينما الاسرائيلية على التمييز. وعرضت مقطعاً من فيلم يعود الى العام 1935 يظهر فيه المستوطنون القادمون من أوروبا كما لو أنهم جاؤوا إلى «أرض بكر أو أرض فارغة» من السكان. ولفتت إلى السينما الاسرائيلية التي بقي تطورها قائماً على الثنائية، فصورت العرب أولاً كأبناء حضارة غابرة يعيشون خارج التاريخ، فيما المستوطنون اليهود يجلبون التطور والحضارة المعاصرة، ليبدأ تصوير العرب كأعداء مع النكبة في العام 1948 عبر الفصل بين «عرب جيدين يقدرون جالبي الحضارة، وعرب سيئين لا يقبلونهم»، وفق توضيح الكاتبة. من جهة أخرى، سيعرض المهرجان مجموعة من الافلام الروائية والوثائقية، أبرزها «أحجار مقدسة» لمؤيد عليان وليلى حجازي، الذي يرصد ظاهرة استثمار الاسرائيليين غير الشرعي لمقالع الحجارة الفلسطينية، وفيلم «خريطة طريق إلى الآبارتهايد» الذي يتجول مخرجاه آنا نوغيرا وإيرون دافيدسون في الاراضي الفلسطينية وجنوب أفريقيا للمقارنة بين نظامي الفصل العنصري بين البلدين.