مكة المكرمة والمدينة المنورة هما أكثر مدينتين في السعودية احتضاناً لمجموعات بشرية متنوعة من جنسيات وأعراق مختلفة بحكم الأفئدة، التي تهوي إليهما من كل حدبٍ وصوب عبر العالم الإسلامي كافة، ومع الزمن وتراكم السنين والمهاجرين أصبحت هاتان المدينتان عبارة عن «موزاييك» بشري بديع جداً، ففي مكة والمدينة تجد العالم بين يديك، فتشاهد الطويل والقصير والأسمر والأشقر والأبيض والأسود، فهذا التنوع أفرز فرصاً ذهبية لتلاقي الحضارات، وعلى صعيد الرياضة برزت فرصة كبيرة في وجود لاعبين مميزين يتمتعون ببنية جسمانية رائعة وغير معتادة ومهارات كبيرة جداً تذهب في بعض الأحيان أدراج الرياح وتصادفها في أحيان أخرى الحظوظ فتحترف في أندية سعودية كبرى أو خارجية «خليجية» وأوروبية، فالسؤال: هل توجد أندية في مكةالمكرمة والمدينة المنورة قادرة على احتضان هذا الكم الهائل من المواهب الملقاة في شوارع المدينتين المقدستين؟ وهل أندية تصارع الأمواج العاتية وتكافح الفقر والحاجة مثل الوحدة وحراء وأحد والأنصار قادرة وحدها على القيام بمهام اكتشاف المواهب وصقلها على الوجه الأمثل؟ الرياضة في مدينة مكةالمكرمة منذ زمن وهي تسير «عرجاء» بنادٍ واحد فقط هو الوحدة، الذي هبط مرات عدة إلى مصاف أندية الدرجة الأولى، وهو يصارع حالياً هناك، ويكابد صراعات شرفية طاحنة، وخلافات إدارية متراكمة، وعلى رغم هذا تمكن هذا النادي من تقديم جيل مميز من اللاعبين يطرزون حالياً سماء الكرة السعودية، أمثال ناصر الشمراني ومختار فلاتة اللذان يلعبان لبطل الدوري هذا العام فريق الشباب، وكامل المر وكامل الموسى اللذان انتقلا إلى النادي الأهلي وساهما في تقديم مستويات لافتة، وكذلك أسامة هوساوي وعيسى المحياني في الهلال اللذان شاركا في إنجازات عدة لهذا النادي الكبير وغيرهما، وقد انتقل هوساوي للاحتراف في ناد بلجيكي بدءاً من الموسم المقبل، فهؤلاء وغيرهم من اللاعبين استطاع الوحدة تقديمهم بأقل الإمكانات المتاحة، وهو لا يتمتع بكشافين محترفين، ولا صالة حديد لتقوية البنية الجسمانية، ولا مدربين متخصصين لإعداد المواهب الشابة، ولا أي شيء آخر يذكر، والسؤال: ماذا كان من الممكن أن يقدم نادي الوحدة لو أن لديه موازنة مخصصة لاكتشاف المواهب الكثيرة المتاحة في شوارع مكةالمكرمة وإعدادها؟ وما هو موقع نادي الوحدة الطبيعي لو أنه استفاد من هذه المواهب ولم يبعها لسد حاجته المالية الملحة؟ مدينة مكةالمكرمة هي من المدن التي توسعت من الجهات كافة، وأصبح يسكنها بشكل رسمي أكثر من مليون ونصف المليون نسمة، خلاف المتخلفين والمعتمرين والحجاج، ومع هذا ليس فيها أندية رياضية كافية لاستيعاب هذا العدد الهائل، فنادي الوحدة مكتفٍ بمن لديه ولا يملك الإمكانات لاستيعاب المزيد، والنادي الآخر الذي لا يسمع عنه في الغالب أحد وهو «نادي حراء» حالته مبكية محزن، فهو نادٍ بلا نادٍ، إذ يقول رئيسه حامد مؤذن إن حراء استأجر حديقة عامة من البلدية في حي «الرصيفة» بمكة لتكون مقراً لهذا النادي المفترض! وتم إنشاء ملعب لكرة اليد من الخرسانة المسلحة! وتم إنشاء مقر لمجلس الإدارة من «الهناجر» وحديد الصفيح! وعلى رغم محدودية إمكانات نادي حراء إلا انه نذر نفسه ك«مفرخة» لبقية أندية الغربية، الأفضل من ناحية الإمكانات مثل الاتحاد والأهلي اللذان اعتمدا كثيراً على شراء لاعبي حراء في الألعاب كافة، فالسؤال: ما الذي يمكن أن يقدمه نادي حراء لو أنه تمكن من تكوين مجلس أعضاء شرف وامتلك مقراً مثل بقية الأندية؟ وما هي الخدمات التي من الممكن أن يقدمها حراء للرياضة السعودية لو تم الاهتمام به قليلاً من أبناء مكةالمكرمة والقائمين على الرياضة السعودية؟ [email protected]