صادقت الحكومة الإيرانية أخيراً علي ملحق لقانون الصحافة والإعلام مقدم من وزارة الثقافة والارشاد ينظم عمل وكالات الأنباء المحلية تحت الفصل الخامس من هذا القانون المكوّن من 13 مادة. وأثارت الخطوة ردود فعل كثيرة في الأوساط الإعلامية والأكاديمية بسبب القيود التي فرضها التشريع الجديد علي العمل الصحافي المهني في وكالات الأنباء. وأجبرت المادة 38 من الملحق العاملين في وكالات الأنباء على ذكر «مصدر الأخبار» في كل الأخبار المنشورة، ومنعها من تداول مصطلحات مثل «المصادر» أو «مصادر موثقة» أو «مصادر قريبة» أو «مصادر رفضت الافصاح عن اسمها» أو «مصادر برلمانية» أو «مصادر سياسية»... وغيرها، فيما منعت المادة 40 نشر الأخبار أو المواضيع أو الصور التي تسببت في غلق صحيفة أو وكالة أنباء أو تعليقها أو منعها من الصدور أو تشفيرها، فور صدور هذا الإجراء. ولعل السبب الرئيس للانتقادات يعود إلى ان وكالات الأنباء تعد مصادر الأخبار، وهي غير ملزمة بذكر مصادر أخبارها كما يطالب به التشريع الجديد، فيما يتعارض منع نشر الأخبار أو الصور أو المواضيع التي تغلق بموجبها الصحيفة أو وكالة الأنباء قبل صدور قرار المحكمة، مع القانون لعدم إثبات الجرم الصحافي. أما الإشكال القانوني الذي وقعت به الحكومة، فهو موافقتها علي تشريع ليس من صلاحيتها، لأن قانون الصحافة والمطبوعات الإيراني يُعد مُشرّعاً من مجلس الشوري الذي يعود اليه حق سن القوانين، ولا يحق للحكومة تشريع القوانين وإنما تتحرك في تنفيذ القوانين. وكان لافتاً تصدي وكالة أنباء «فارس» الإيرانية الخاصة لخطوة الحكومة، إذ طالبت وكالات الأنباء الإيرانية بتقديم شكوي الي ديوان العدالة الادارية والعمل علي إلغاء القانون «الذي يتعارض مع قانون الصحافة ومع الدستور». وأكدت «فارس» أنها عازمة علي تقديم شكوي إلى الديوان المذكور. ودعا الخبير الصحافي تقي دزاكام الصحافيين والعاملين في وكالات الأنباء إلى عدم الالتزام بمثل هذا القانون «الذي لا يوجد له مثيل في العالم، والذي يجبر وكالات الأنباء علي ذكر مصادر الأخبار»، لافتاً الي ان القانون يجب ان يميز بين الصحافة ووكالات الأنباء «لأن وكالات الأنباء تعد مصدر الأخبار، فيما الصحافة تعد الجهة المستهلكة للأخبار، ومن الممكن الطلب من الصحافة ذكر مصدر الأخبار، لكن الطلب من وكالات الأنباء ذكر المصدر أمر غير مبرر، ويحد من عمل وكالات الأنباء». وتعمل في إيران 21 وكالة أنباء علي الأقل، إضافة الي مئات المواقع المهتمة بالأخبار علي اختلاف مشاربها. وتخضع الصحافة لقانون المطبوعات الذي صدر عام 1985، وشهد التعديل الأول في 18 نيسان (أبريل) 2000، ثم أعيد صوغه في 29 تشرين الثاني (نوفمبر) 2009. واللافت في الملحق القانوني الأخير أن أحكامه شملت كل المنشورات الالكترونية، من مواقع إخبارية وسياسية ومنشورات الكترونية، إلى الصحافة ووكالات الأنباء. ويرى الكاتب الصحافي كامبيز نوروزي ان السلطة التنفيذية لا تملك صلاحية سن القوانين أو إجبار وكالات الأنباء علي ذكر مصادر أخبارها «التي تعد من الفنون المهنية التي تلتزم بها وكالات الأنباء. وهذه الأخيرة هي التي تقرر ذكر مصدر الخبر عندما يكون جزءاً من الخبر، وأحياناً فإنها لا تري مبرراً لذلك، إما لعدم سماح المصدر وإما لاجتهادها لإخراج الخبر بهذا الشكل أو ذاك». ويعتقد نوروزي أن إلزام المنشورات الالكترونية بهذا القانون «إجراء تعسفي» لأن أكثر هذه المنشورات لا تدخل في إطار وكالات الأنباء، لافتاً الي ان القانون يحد من عمل وكالات الأنباء ويفسح في المجال أمام وكالات الأنباء الاجنبية للعمل في داخل البلد بحرية أكبر. ويقول: «من يقف وراء هذا التعديل يجهل أجواء علوم الاتصال الحديثة وأسس الإعلام الجديد». أما في ما يخص منع نشر الصور والأخبار والمواضيع التي تسبب غلق الصحيفة أو وكالة الأنباء أو إيقافها، فيرى نوروزي ان هذه المادة تتعارض مع المادة الرابعة من قانون المطبوعات الذي يمنع ممارسة أي مسؤول حكومي أو غير حكومي أي نوع من أنواع الضغوط علي المطبوعات لمراقبة عملها. في المقابل، دافع عدد غير قليل من الصحافيين عن التعديل الحكومي الأخير. ويرى رئيس تحرير صحيفة «إيران» التابعة لوكالة أنباء الجمهورية الاسلامية الرسمية غلام حسين إسلامي فر، أن «الخبر يكتسب أهميته عندما يمتلك الصدقية، بحيث يعطي صدقية للصحيفة التي تنشر مثل هذا الخبر، والذي يدفع المتلقي بالاتجاه الصحيح من دون أي إيهام أو تشكيك من خلال معرفة مصدر هذا الخبر الذي يطمئن إلى صحته». ويضيف: «من يريد ان يوجه الرأي العام... عليه ان يتحلي بالصدقية التي تعتبر مصادر الأخبار إحدي آليات الصدقية التي يجب ان تتوافر لدي المطبوعة أو وكالة الأنباء»، لافتاً إلي ان ذكر مصدر الأخبار يعد من المبادئ الأولية لمهنة الصحافة. ويري نوروزي ان «ذكر مصدر الأخبار يحول دون تفشي الأكاذيب في الصحافة والإعلام ويدفع بهذا الإعلام الي تحقيق الأهداف النبيلة للعمل الصحافي». أما معاون كلية الإعلام في «جامعة العلامة طباطبائي» الدكتور علي أصغر كيا، فيري ضرورة ذكر مصدر الأخبار، مشيراً إلى تأخير المشرّع في إجبار وكالات الأنباء علي ذكر هذا الأمر لأن ذكر المصدر «يعطي الخبر صدقية ويدفع المتلقي إلى الاتباط بالخبر ويؤثر كبيراً علي المخاطبين، وان ذكر مصادر الأخبار لا يتعارض مع حرية الإعلام». أما عضو «الهيئة العلمية لكلية الإذاعة والتلفزيون» محمود دهقان، فيعتقد ان ذكر الخبر من دون مصدره لا يختلف كثيراً عن الإشاعة والأكاذيب، وان «الملحق الجديد لا يشمل المواقع الالكترونية المختلفة، وإنما هو محاولة لتنظيم عمل وكالات الأنباء». ويدافع دهقان عن الإجراء الحكومي، معتبراً انه «يساهم في إعطاء الصدقية للمتلقين في متابعاتهم الإخبارية»، مشيراً الي ان مراقبة السلطات الحكومية لوكالات الأنباء «ظاهرة موجودة في كل دول العالم، إضافة الي وجود محاكم خاصة تنظر في الجرائم الصحافية». ويري الأستاذ الجامعي محمد سلطاني فر، ان «الإجراء يحافظ علي حقوق الصحافيين ويساهم في تعزيز ثقة المتلقين بالأخبار المنشورة ويدفع بالمهنة الي مزيد من المهنية». واللافت في السجال الأخير الدائر في إيران ان الصحافيين العاملين في وسائل الاعلام المحافظة والمتشددة كانوا أشدّ حماسة لإلغاء بعض المواد الخاصة بذكر مصادر الأخبار والتعامل بانفتاح أكبر مع المواقع الالكترونية، فيما اتجه الأكاديميون الي قوننة العمل الصحافي. أما الصحافيون العاملون في التيار الإصلاحي فانحازوا الي الفريق الذي يعتقد بحرية الصحافة ومعارضة أي قيود تحد من عمل الصحافي، سواء أكان في الصحافة أم في وكالات الأنباء.