دخل الخلاف على طريقة تشريع رفع سقف الإنفاق لعام 2011 بقيمة 8900 بليون ليرة لبنانية لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي وتشريعه بالنسبة لما أنفقته حكومتا الرئيس فؤاد السنيورة بين عامي 2006 و2009 بقيمة 11 بليون دولار أميركي، مرحلة حرب لجان التحقيق البرلمانية، مع تقدم ثلاثة نواب من قوى 8 آذار هم علي فياض (حزب الله)، ياسين جابر (كتلة رئيس البرلمان نبيه بري) وإبراهيم كنعان (تكتل التغيير والإصلاح بزعامة العماد ميشال عون)، بطلب تشكيل لجنة تحقيق برلمانية «حول التجاوزات التي شابت الإنفاق العام منذ العام 1993 لغاية اليوم... ولوضع حد قانوني لمشكلات ادارة الاموال العمومية على مدى عقدين من الزمن». وإذ تضمن الطلب منح اللجنة بعض صلاحيات قضاة التحقيق، فإن هدف هذه اللجنة هو العودة بالحسابات المالية إلى مرحلة تولي رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري رئاسة الحكومة يعاونه الرئيس فؤاد السنيورة كوزير للمال في حينها، في إطار الحملة على تيار «المستقبل» والسنيورة، لا سيما من قبل عون ونوابه. وكانت كتلة «المستقبل» طالبت بلجنة تحقيق برلمانية في الإنفاق المالي منذ عام 1988، أي منذ تولي عون رئاسة الحكومة الانتقالية وحصول فراغ في رئاسة الجمهورية آنذاك، كما كان النائب جورج عدوان (عن حزب القوات اللبنانية) تقدم بطلب رسمي لتشكيل لجنة تحقيق برلمانية بمسألة بواخر الكهرباء التي يتولى ملفها وزير الطاقة جبران باسيل. وجاءت هذه التطورات في ظل استمرار عون ونوابه في الحملة على السنيورة بدعوى أن إنفاق ال11 بليون دولار خلال 4 سنوات تم بلا قيود ومن دون تحديد وجهة صرفها، الأمر الذي نفاه السنيورة مراراً مؤكداً أن القيود موجودة في وزارة المال، واشترط لتشريع رفع الإنفاق لحكومة ميقاتي (مشروع قانون تشريع إنفاق 8900 بليون ليرة) أن يتم تشريع رفع الإنفاق الذي اعتمدته حكومتاه لأن صرف هذا المبلغ تم بالأسلوب نفسه الذي صرفت به حكومة ميقاتي. وحين تدخل الرئيس بري بعد أن أيّد رئيس «جبهة النضال الوطني» النيابية وليد جنبلاط وجهة نظر السنيورة، داعياً إلى وضع مشروع قانون بذلك وتقدم أحد نواب «المستقبل» باقتراح قانون لتشريع إنفاق ال11 بليون دولار، اشترطت قوى 8 آذار تحويل وزارة المال لقطع الحساب عن السنوات من 2006 إلى 2009، فحوّل وزير المال محمد الصفدي، أول من أمس، مشروع قانون بقطع الحساب عن هذه السنوات بعد أن كان أكد أن القيود بصرف ال11 بليون دولار موجودة في الوزارة. واعتبر النائب جمال الجراح أمس، أن طلب النواب فياض، جابر وكنعان تشكيل لجنة تحقيق برلمانية هو رد على طلب «المستقبل» تشكيل هذه اللجنة للتحقيق في الإنفاق منذ عام 1988. وأضاف: «كان يمكن اختصار الطريق الذي يؤدي إلى التدقيق في الحسابات ومراجعتها، فحكومة الرئيس السنيورة كانت وضعت مشروع قانون لتكليف شركات مختصة بهذه المهمة منذ عام 2006، لكنه نام في أدراج البرلمان، ثم عاد عضو كتلة «المستقبل» النائب عمار حوري وتقدم باقتراح قانون في هذا الصدد». واعتبر الجراح أن الموضوع سياسي والجهة التي تقدمت بطلب الأمس تريد استخدامه بالسياسة. وأكد أن «مطلبنا كان في الأساس تشكيل لجنة تحقيق. ولا بأس بتشكيل لجان تحقيق بكل المواضيع فمن يريد إخفاء مخالفات هو الفريق الآخر». لكن طلب النواب فياض، جابر وكنعان أمس تشكيل لجنة تحقيق برلمانية جاء في ظل موقفين جازمين لكل من رئيس الجمهورية ميشال سليمان والنائب جنبلاط، ما وضعهما في مواجهة مع الأطراف الذين يمثلهم النواب الثلاثة. فالرئيس سليمان رفض طلب هؤلاء الأطراف توقيع مرسوم تشريع ال8900 بليون ليرة لأنه معرض للطعن قانونياً به. والثاني كان حال دون إقراره في البرلمان لأنه أيّد فكرة ربط تشريع إنفاق هذا المبلغ بتشريع مبلغ ال11 بليون دولار الذي طرحه السنيورة، باعتبار أن جنبلاط كان مشاركاً مع نواب من «أمل» و «حزب الله» في حكومتي السنيورة حين أنفقتا ال11 بليون دولار. وموقف جنبلاط هذا حال دون تمرير قانون ال8900 بليون ليرة في البرلمان لأن أكثرية الأصوات تتوقف عليه. وكرر جنبلاط موقفه هذا، الخميس الماضي أثناء زيارة ممثلين لحركة «أمل» و «حزب الله» له. وفي وقت يحتاج تمرير أي من لجان التحقيق، أو تشريع أي من المبالغ، إلى أصوات كتلة جنبلاط، فإن تفاقم الخلاف حول هذه المسألة زاد من التوتر بين فريق عون الذي يصر على إبقاء موضوع ال11 بليون من دون تشريع حتى يستخدمه وسيلة هجوم على «المستقبل»، والرئيس سليمان الذي رد على الحملة ضده لرفضه توقيع مرسوم ال8900 بليون ليرة، من قبل عون عبر مصادر مقربة منه دعت إلى حل المشكلة في مجلس النواب وليس بالطلب منه توقيع مرسوم وضعت لجنة المال النيابية (يرأسها النائب كنعان)، ملاحظات عليه. وذكرت المصادر أن حملة يقوم بها نواب التيار العوني ضده، هدفها سياسي وتتعلق بالمصالح العونية في الحكومة فيما نهج سليمان مقاربة المسائل هو مقاربة مصالح الناس بعيداً من الحسابات الضيقة. ورأت مصادر سليمان أن حملة التيار العوني عليه تعود إلى الحمّى الانتخابية التي بدأت تظهر قبل انتخابات العام المقبل النيابية. ويصر سليمان على أن ترسل الحكومة مشروع قانون جديداً في شأن تشريع الإنفاق إلى البرلمان يكون خالياً من أية شوائب تضمنها المشروع السابق، مؤكداً أنه مستعد لتوقيعه وإحالته إلى السلطة الاشتراعية.