باول: من السابق لأوانه قياس تأثير رسوم ترامب الجمركية على التضخم    مدرب الصين: أعرف منتخب السعودية جيدًا.. وقادرون على الخروج من الرياض بنتيجة إيجابية    ضبط 5 أشخاص في الباحة لترويجهم الحشيش والإمفيتامين    "هيئة النقل" تكثف حملاتها الرقابية على الشاحنات الأجنبية المخالفة داخل المملكة    نائب وزير الخارجية يلتقي وزير الخارجية الإثيوبي    الاحتلال الإسرائيلي يعيد فصل شمال قطاع غزة عن جنوبه    التأكيد على ضوابط الاعتكاف وتهيئة المساجد للعشر الأواخر    مباحثات أمريكية - روسية فنية في الرياض بشأن الحرب بأوكرانيا    رابطة أندية كرة القدم تطبق نظام الصعود والهبوط لأول مرة في أمريكا    فريق قسم التشغيل والصيانة بالمستشفى العسكري بالجنوب يفوز بكأس البطولة الرمضانية    لبنان يغلق أربعة معابر غير شرعية مع سورية    خالد بن سعود يستقبل قائد حرس الحدود بتبوك.. ويطلع على تقرير "هدف"    "مانجا" و«صلة» تستقطبان العلامات اليابانية لموسم الرياض    مسجد بني حرام في المدينة.. تطوير وتجديد    نائب أمير جازان يكرّم الفائزين بجائزة "منافس"    دمت خفاقاً.. يا علمنا السعودي    نائب أمير مكة يرأس اجتماع «مركزية الحج».. ويدشن الدائري الثاني    إنفاذًا لتوجيهات خادم الحرمين وولي العهد.. وصول التوءم الطفيلي المصري إلى الرياض    رئيس الوزراء الباكستاني يصل إلى جدة    إي اف چي القابضة تسجل إيرادات قياسية بقيمة 24.4 مليار جنيه، مدعومة بالنمو القوي لقطاعات الأعمال الثلاثة    "الأرصاد": أمطار رعدية غزيرة وسيول متوقعة على عدة مناطق بالمملكة    المملكة تدين قصف قوات الاحتلال الإسرائيلية للأراضي السورية    السعودية بوصلة الاستقرار العالمي (1-3)    فيتش: تحسن محدود لمؤشرات البنوك    الغياب الجماعي للطلاب.. رؤية تربوية ونفسية    "التعليم" تعلن القواعد التنظيمية لبرنامج فرص    الإطاحة بمفحط أصاب 4 أشخاص في حادث اصطدام    "الحياة الفطرية": لا صحة لإطلاق ذئاب عربية في شقراء    رأس الاجتماع السنوي لأمراء المناطق.. وزير الداخلية: التوجيهات الكريمة تقضي بحفظ الأمن وتيسير أمور المواطنين والمقيمين والزائرين    وزير الداخلية يرأس الاجتماع السنوي ال32 لأمراء المناطق    الخوف من الكتب    «الملكية الفكرية» : ضبط 30 ألف موقع إلكتروني مخالف    الاتحاد يعبر القادسية الكويتي في نصف نهائي غرب آسيا لكرة السلة    الأخضر يرفع استعداداته لمواجهة الصين في تصفيات كأس العالم    على المملكة أرينا وبصافرة إيطالية.. سيدات الأهلي يواجهن القادسية في نهائي كأس الاتحاد السعودي    المملكة تدين وتستنكر الهجوم الذي استهدف موكب رئيس جمهورية الصومال الفيدرالية    نائب أمير منطقة جازان يكرّم الفائزين في مسابقة الملك سلمان المحلية لحفظ القرآن الكريم    قطاع ومستشفى بلّسمر يُنفّذ حملة "صم بصحة"    انطلاق أعمال الجلسة ال144 للجنة الأولمبية الدولية في أولمبيا    "خطاب الإنتماء" ندوة علمية في تعليم سراة عبيدة ضمن أجاويد3    نائب أمير تبوك يطلع على التقارير السنوي لتنمية الموارد البشرية هدف    ديوانية غرفة تبوك الرمضانية بوابة لتعزيز الشراكات وترسيخ المسؤولية الاجتماعية    جمعية البن بمنطقة عسير شريك استراتيجي في تعزيز زراعة الأرابيكا    المودة تحتفي باليوم العالمي للخدمة الاجتماعية بتأهيل 6,470 أخصائيًا    16 مصلى لكبار السن وذوي الإعاقة بالمسجد النبوي    الفطر سلاح فعال ضد الإنفلونزا    مراكز متخصصة لتقييم أضرار مركبات تأجير السيارات    الكشخة النفسية    النقد الأدبي الثقافي بين الثوابت المنهجية والأمانة الفكرية    دعوات ومقاعد خاصة لمصابي الحد الجنوبي في أجاويد 3    3 جهات للإشراف على وجبات الإفطار بالمدينة المنورة    440 مبتعثا صحيا وكندا الوجهة المفضلة ب33 %    موسم ثالث للتنقيب الأثري بالليث    الذاكرة المستعارة في شارع الأعشى    إقبال على دورات الإنعاش القلبي    تبقى الصحة أولى من الصيام    محافظ الطوال يشارك في الإفطار الرمضاني الجماعي للمحافظة    العلم الذي لا يُنَكّس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأَخلاق أَولاً بشأن الضحايا في المشهد السوري
نشر في الحياة يوم 28 - 04 - 2012

كان الظنُّ أَنَّ الثرثرةَ البائسةَ عن انتشار عناصر «القاعدة» في سورية، يقاتلون النظام الحاكم هناك، مقصورةٌ على هواةِ كلامٍ، في مواقعَ إلكترونيةٍ وفضائياتٍ وجرائد، من محبي النظام المذكور ومشايعيه. ولكن، أَنْ يقول الأَمين العام ل «حزب الله»، السيد حسن نصر الله، هذا الكلام، وإِنْ لا يجد دليلاً عليه سوى دعوة أَيمن الظواهري إِلى الجهاد في سورية، فذلك مما يعني أَنَّ التشنيعَ على الثوار والضحايا من الشعب السوري، وإِغماض الأَعين عن جرائم النظام، غاصب السلطة هناك، مهمةٌ أَساسيةٌ لها مطرحُها المتقدم في أولويات زعاماتِ أُولئك الهواة وقياداتهم، ونحسبُ أَن لا أَحدَ بين هذه الزعامات والقيادات يفوق السيد نصر الله مكانةً. ومعلومٌ أَنه شاعَ في جرائدَ، وفي بعض وسائط الإنترنت، وفي تلفزاتٍ غير قليلة، أَنَّ مسلحين من «القاعدة»، وآخرين مع الليبي عبدالكريم بلحاج، وعناصر عصاباتٍ دعمتها تركيا وغيرها بالسلاح والإمداد، عبروا إِلى سورية للانقضاض على النظام، سعياً إِلى إِقامة نظام بديل، إِسلاميٍّ متشدد، وروَّجَ هذا الكلام أَنصارٌ للنظام ممن لا يريدون أَن يحيدوا عن أُزعومةِ المؤامرة الكبرى على سورية المقاومة والممانعة.
ولمّا كان لافتاً أَنَّ الترويجَ البائس لهذا التخريف لم يجدْ دليلاً واحداً يُوثِّق به صدقيَّتَه، فإِنَّ الأَمر نفسَه نقع عليه عند من انقطعوا إِلى تهريجٍ مقابل، مفادُه أَنَّ عناصر من جيش المهدي العراقي، وعسكريين ومخابراتيين إِيرانيين، وكذا مسلحين من «حزب الله»، يعاونون الجيش السوري والشبيحةَ وأَجهزة النظام الأَمنية في استهداف المدنيين المتظاهرين وضرب المسلحين في الجيش السوري الحر. لا دليل عند هؤلاءِ يُشهرونه، كما خصومُهم أولئك، ونحسبُ أَنَّ لدى النظام من عديدِ الشبيحة والعسكر والمُخبرين ما لا يجعله في حاجةٍ إِلى عونِ أَيِّ «قطعان»، وفق مفردةٍ شديدةِ الرداءَةِ ينعتُ بها بعضُ مناهضي بشار الأَسد هؤلاءِ المستعان بهم، والمتوَّهمين وفق صاحب هذه السطور، والذي يحدسُ احتمالَ تواجدِ خبراتٍ أَمنيةٍ واستخباريةٍ إِيرانية في دمشق تُستشارُ فيما يمكن الاستشارة بشأنِه، ويؤكدُ العون الاقتصادي الإيراني المعلن، والتسليحيَّ بقطع غيار وغيرِها، للنظام السوري. ومثيرٌ للحزن، وباعثٌ على التعاطفِ أَيضاً، أَنْ تكون الثورةُ السوريةُ الباسلةُ ملعباً لتقاذفِ اتهاماتٍ من هذا النوع المستنكر بين ذينك الطرفين، ونحسبُهم، هنا، متساوين في الإساءَة اليها، من حيث يدرون أَو لا يدرون.
لا نرسمُ لوحةً ورديةً لحالِ هذه الثورة، الظافرةِ قريباً، حين نُشهرُ نظافََتها من أَيِّ شبهةٍ قاعديةٍ وإرهابية، فليس اللجوءُ الفطري إِلى الله والدين في أثناء المحن دليلاً على هذا الزعم، وقد حدَّثَ شابٌّ في حمص كاتب هذه السطور عن هذا الالتجاءِ المنزَّه من الانتساب إِلى أَيمن الظواهري. وإِذا انقطع الشغوفون بنظام بشار الأَسد إِلى تصيُّدِ أَخبار وتقارير، صحيحةٍ وغير صحيحة، عن ممارساتٍ شنيعةٍ يحدُث أَنْ يرتكبَها مسلحون في الجيش السوري الحر تجاه بعضِ من يقاتلونهم، فهذه مدانةٌ ومستنكرةٌ، من دون تأتأة أَو تلعثم، على أَنّه لا يليق اعتبارُها الأساسَ والجوهريَّ في نشاطِ المعارضةِ الجماهيرية السلمية، والتي تُؤازرها أَنشطةٌ مسلحةٌ معلنةٌ، تُواجه توحشاً مرعباً تقترفُه الآلة الحربية للنظام، في غيابِ مراقبين عربٍ أَو دوليين أَو في وجودِهم. ولأَن المسألةَ السورية الراهنة، في أَهمِّ وجوهِها، أَخلاقيةٌ تماماً، قبل أَنْ تكونَ سياسية، لارتفاعِ منسوب قتل المدنيين والعسف واستباحةِ المدن والبلدات والقرى، مع التهديمِ والحرق والتخريب، فإِنَّ إِشهار مواقفَ تدين أَي ارتكاباتٍ من المعارضين المسلحين مسيئةٍ الى هذا الوجه الأَخلاقي يصبحُ شديدَ الوجوب والضرورةِ والأَهمية.
لا نُخفِّفُ من أَهوالِ توحشِ النظامِ الذي يستهدفُ مواطنيه، الثائرين على عُسفِه واستبدادِه بالقذائفِ وجرائمِ الحربِ والقتلِ الموثقة، حين ننفي عنه استعانتَه ب «حزبِ الله» وجيش المهدي العراقي، وإِنما هو الحرصُ على التحديقِ في المشهدِ قدّامنا، كما هو، ما أَمكننا ذلك، والحرصُ على السمت الأَخلاقي في توصيفِنا محنةَ الشعب السوري الظاهرة، وفي حديثِنا عن المشهد العام هناك. ومن تفاصيلِ هذا المشهد المؤكدة أَنَّ «المقاتلين السوريين المنتفضين ضد النظام شرفاءُ وشجعان، لكنهم يفتقدون أَيَّ شكلٍ من التنظيمِ الذي يمتلك الصدقية، ويمكنُ الغرب أَنْ يتعاملَ معه، ويُوفر له السلاح»، على ما كتبَ مارتن فليتشر في تحقيقٍ ميدانيٍّ شديدِ الأَهمية، في صحيفة «التايمز» الشهر الجاري، من بلدة تل رفعت في ريفِ حلب (35 ألف نسمة)، ينقلُ عن مزارعٍ فيها قوله إِنَّ «الشبيحة ليسوا بشراً، ولا أَخلاق لهم، وليست لديهم إِنسانية»، بعد أَنْ سرقوا بيته، وحمّلوا في سياراتٍ وشاحناتٍ ما نهبوه من منازلَ كثيرةٍ في البلدةِ التي سرقوا سيارات الإسعاف فيها أَيضاً. وكتب الصحافي، أَيضاً، إِنَّ هؤلاءِ دمّروا 600 بيت ومحل تجاري في البلدة التي كتبوا على جدرانِها، بين ما كتبوا، «الأَسد... وإلا حرقنا كل القرية». ذلك كله بعد أَنْ أَحرقَ الأهالي صور الرئيس، وطردوا البعثيين من بينهم، وتخلصوا من الجواسيس، وأَقاموا نقاط تفتيش على حدود البلدة التي يتمركز فيها 250 مقاتلاً ومنشقاً مع الثوار. نُطالع تفاصيلَ شديدةَ الصعوبة، ينقلها مراسل «التايمز» من هناك، بعد أَيامٍ على مطالعتِنا تفاصيلَ عن استباحةٍ دامية لبلدةِ تفتناز قرب إِدلب، والتي يُفاجئنا أَصدقاءُ سوريون أَنهم لم يسمعوا بها من قبل، ومنهم من أَشهروا اعتذارَهم الحصيف عن عدمِ معرفتهم السابقة بقرىً وبلداتٍ منتفضةٍ في أتون الثورةِ الراهنة.
ثمَّة حرقُ مئةِ منزلٍ في يومٍ واحدٍ في قريةٍ أُخرى، وثمَّة تهديمٌ مهولٌ في بلداتٍ وأَحياءَ وقرى ومدن، منه أَنَّ نحو خمسين في المئة من حمص صار مدمراً، عدا عن قتلٍ يوميٍّ يقضي فيه عشراتُ المدنيين، وبعض العسكريين من جيش الأَسد ومن الجيش الحر الذي يُحارب بإمكاناتٍ ضعيفةٍ، وببسالةٍ وجسارةٍ مشهودتين. نحسبُ أَنَّ أَسوأَ أَذىً يلحقُ بالثورةِ السوريةِ أَنْ نُشيحَ الأَبصارَ عن فظاعاتٍ مثل هذه المرتجلةِ التفاصيل هنا، وعن التوحشِ والعنفِ الفالتِ، مع الانشغالِ بالكلام الثقيل في سماجتِه عن «القاعدةِ» و «ثوار الناتو» الليبيين في سورية، وكذا عن محاربين من «حزب الله» وجيش المهدي وعسكريين إِيرانيين، ينتشرون في هذا البلدِ المدمّى، والذي يُغالب شعبُه عسفاً يعصى على الوصف. هو الانتباهُ الدائم إِلى مكابدةِ هذا الشعب هذه الأَهوال أَولى، أَخلاقياً وإِنسانياً، من كل كلامٍ سياسيٍّ فيه من الثرثرة المرتجلة ما يفيضُ عن أَيِّ لزوم، ذلك أَنَّ الإنصاتَ للضحايا أَوجبُ وأَدعى من أَيِّ شأنٍ آخر، وهذه مسألة أَخلاقيةٌ أَولا وأَخيراً، ونظنُّها الأَخلاق أَهمُّ ما يلزمُ أَنْ يُفتتحَ بها أَيُّ حديثٍ عن الراهن السوريِّ المثقل بدماء ناسٍ صار عدُّهم صعباً.
* كاتب فلسطيني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.