برزت ظاهرة إقصاء المرأة من الإرث لدى بعض شرائح المجتمع السعودي، خصوصاً عندما يكون الإرث عقاراً من التركة التي يرثها الأبناء عن ذويهم ويقصون الشقيقات منه باسم العادات والتقاليد من تلك الاراضي التي يمتلكون عليها الحجج منذ الأزل وهي ديار لهم، لا سيما وأن ذلك العُرف يروّج وسط المجتمعات التي تنعت ذلك التصرف بالتقاليد التي ليس للمرأة حق في الاقتسام مع أشقائها من أراضيهم «الجدية» بحجة عدم مشاطرة زوج شقيقة إخوتها وأبنائه ما يسمى بالبلاد وهي البلدة الي تقطن فيها فئة معينة من النسب أو العرق ذاته، في تلك المساحة الضيقة يكثر الجدل وتنشب المشكلات بين الأواصر بسبب ذلك التصرف، كما وأن للمرأة خيارين لا ثالث لهما، إما أن تتنازل عن الأرض مقابل المال أو تأخذ حقها وافياً مقابل قطع صلة الرحم بها!، من هنا بدأت حيرة ومعاناة فردية لحقت بنساء استمرت مطالباتهم ومشكلاتهم معلقة لدى القضاء منذ سنوات ومنها ما استمرت إلى 15عاماً. أم محمد سيدة في ال75 من عمرها توفي والدها منذ 20عاماً ولم تحصل على إرثها حتى الآن، وقالت: «توفي والدي قبل 20عاماً وأنا وأختي الوريثتان ويدخل في الإرث أبناء عمومتي لأنه ليس لنا أخ شقيق وترك والدي بعد وفاته إرثاً كبيراً من العقارات، ولم يتم التوزيع في حينه». وأضافت: «مكثنا زمناً ننتظر، وعندما طالبنا أنا وشقيقتي بالتعويض جراء قيام مشاريع حكومية على عقارات والدنا، قالوا لنا لابد أن يطالب به معكما أبناء العم لأن لهم في التعويض أيضاً نصيباً، ونحن بدورنا توجهنا إلى أبناء عمنا وطلبنا منهم بالمطالبة بالتعويض حتى نأخذ نحن نصيبنا أيضاً، ولكننا صدمنا بالرد بقولهم ( إننا لا نريد أن نطالب بالتعويض الآن ونحن لسنا في حاجة إلى المال في الوقت الراهن). وأضافت: «قاموا بهذا المنع وعدم المطالبة بالتعويض حتى لا ينصرف التعويض المالي ونأخذ حقنا من حلال والدنا، هذا ما جبل عليه الرجل القبيلي في كثير من القبائل التي تحرم إرث الأنثى المرأة مهما كانت سواء كانت زوجة أو أماً أو ابنة أو أختاً». أما أم عبدالعزيز فحرمت هي الأخرى من إرثها، وقالت» نحن سبع فتيات وثلاثة أولاد وكلنا متزوجون ماعدا أختي المريضة التي لم تتزوج لظروفها الصحية». وأضافت: «عندما أردنا حصر وتوزيع الإرث جاء أصغر إخواني وطلب منا توكيله بصفته رجلاً وهو الذي يستطيع الذهاب إلى المحكمة ويقوم بأمور لا نستطيع نحن النساء عملها وأن هذا التوكيل والتوقيع موقت لفترة وجيزة وبعد ذلك يُلغى وأخذنا بحسن النية ووقعنا على ذلك». مشيرة إلى أنهم انتظروا توزيع الإرث ولم يحدث، وقالت: «وعندما سألنا فوجئنا أنه ليس لنا أي إرث، إذ أخبرونا أننا بنات لا نرث شيئاً، لأن المال للأولاد فقط». واستطرت بالقول: «لجأنا إلى القضاء لإنصافنا وخصوصاً أختي التي تعاني من المرض العضال هي تحتاج إلى مصاريف وعناية، وهنالك وبخنا من جانب الشيخ والذي سألنا كيف وقعتم على التوكيل؟!»، منوهة بأن القضية لا تزال مستمرة في المحكمة ليومنا هذا. وفوزية ليست أوفر حظاً من سابقاتها، إذ لجأت هي الأخرى إلى القضاء لكي تأخذ نصيبها بالقوة الجبرية، وتوضح: «بعد أن توفي والدي لم يحرك أشقائي الذكور شيئاً من الإرث وكنت أظن بأن أحزانهم لم تبرد وتندمل جروح فراق والدنا، ولكن المؤسف صمت الأشقاء الذين لا يهمهم التقسيم، لأن كلاّ منهم لديه ما يكفيه من المال». وأضافت: «بعد طلاقي من زوجي الذي هرب تاركاً خلفه ثمانية أبناء بحاجة إلى مصاريف، طلبت بإرثي من أشقائي ولكنهم رفضوا، مما دفعني للقضاء ومع الأسف ما زال أشقائي يماطلون في بت القضية لعدم التزامهم بمواعيد الجلسات ولا تزال القضية تنظر في المحكمة». في المقابل، قالت المحامية بالجمعية الوطنية لحقوق الإنسان آمال الصابري ل «الحياة»: «لا يحق لأحد من الناس أن يحرم المرأة من ميراثها، أو يتحايل في ذلك، لأن الله أوجب لها الميراث في كتابه الكريم والمواريث في القرآن واضحة وعادلة، إلا أن ما يؤلم هو مماطلة بعض الرجال في منح أخواتهم أو قريباتهم حقوقهن من الميراث بحجة تنمية المال، والاكتفاء بمنح بعضهن مبلغاً صغيراً كل عام يكفيها لتنفق على نفسها، لأنها بزعمهم لم تبلغ سن الرشد! وتزداد الصورة قتامة ومأسوية وتشتد ظلماً حين يحرم الرجل المرأة من الميراث تماماً، لا سيما في حالة الأراضي». واضافت: «إن المفاهيم المغلوطة في ضوء الأعراف القبلية في بعض المناطق ترى أن توزيع الإرث وإعطاء المرأة حقها يقتضي تقسيم الأرض وبالتالي دخول الغريب من زوج أو ابن وهو أمر غير مقبول، حيث يستحوذ أخو المرأة أو أبوها أو ابنها على كامل الميراث وليس لها الحق في المطالبة به، وإجبارها على التنازل بحجة عدم قدرتها على التصرف أو خوفاً من استفادة الغريب منه، وفي ذلك إجحاف، وظلم ظاهر عليها حيث يكون تنازلها مشوباً بعيب الإكراه أو الخطأ أو الجهل، وينبغي السعي لتعديل هذه المفاهيم الخاطئة والتصدي لظاهرة حرمان المرأة من حقها في الميراث، وضرورة تثقيفها بحقوقها الشرعية والمدنية، ومساعدتها للحصول على حقها، لا سيما أن غالبية السيدات لا يعرفن حقوقهن في الميراث جهلاً أو خوفاً من العتاب أو العقاب.ولا يجرؤن على مطالبة ذويهن بهذا الحق! ولا ريب أن حرمانها من حقها الشرعي قد يسبب البغضاء والعداوة بين أفراد الأسرة الواحدة ويجعل المرأة أقل ولاءً لأسرتها». من جهته، أوضح المستشار القانوني المحامي خالد الدقاس أن التشريع الديني يرتبط بالحس القانوني تماماً في مسائل الإرث ودائماً ما يحضر القاضي أو كاتب العدل التركات للمتوفى ويوكل الورثة من ذكور وإناث أحد الإخوة، في الوقت الذي يكون فيه جزء كبير من الورثة، لاسيما الأراضي والممتلكات العينية محرراً بوثائق وحجج بواسطة العارفين والكاتبين من أهل المنطقة وكان يثبت فيها تنازل البنات عن إرثهن لإخواتهن الذكور». وأضاف: «إن العرف القبلي ينص بلا مشروعية بأن أملاك العائلة المتوارثة من الأجداد يجب بقاؤها تحت تصرف أبناء نفس العائلة من الذكور ، ويجب عدم إدخال أي شخص غريب على ملكهم فزوج البنت يعد غريباً وإن كان من نفس العائلة أي أبناء العمومة، ويعتبر الجزاء في مثل هذه الحالات التعسفية إقصاء للدين واستهتاراً بقانون الإرث الشرعي وللمتضررين رفع مقاضاة وملاحقة قانونية بوثيقة منفصلة عن المشكلة الأم تزعم بتضررهم من المماطلة».