الميديا الغربية، وتحديداً الصحف البريطانية والأميركية التي اقرأها كل يوم، أخطأت كثيراً في التعامل مع أحداث البحرين منذ بدئها قبل 14 شهراً، وارتكبت مزيداً من الأخطاء في التعامل مع سباق «الغران بري» هناك الأحد الماضي، وليس السبب مؤامرة صهيونية أو أجندة سرية، وإنما هو الجهل، فالجهل كما يُزعم له أكثر من الهيدروجين في هذا العالم. قلت دائماً أن للمعارضة في البحرين طلبات محقة، وأكرر هذا اليوم، على رغم أن جميع طلبات المعارضة ليست محقة، إلا أنني فضلت أن اعتبرها كلها محقة اختصاراً للجدال، وإذا شاء القارئ زيادة فأنا أقول إن من حق كل مواطن أن يهتف «يسقط النظام»، وإذا جمع غالبية كافية من حقه أن يسقط هذا النظام. غير أن الصحافة الغربية تعتقد أن المعارضة البحرينية تريد أن تستبدل ديموقراطية تعددية برلمانية بالنظام الملكي في البحرين، وهذا خطأ واضح فاضح، إلا للذين اختاروا أن يغلقوا عيونهم. قيادة المعارضة من الوفاق، مثل علي سليمان أو «المرشد» عيسى قاسم، تريد إقامة نظام ديني شيعي على أساس ولاية الفقيه يحرم كل مذهب آخر أو اثنية حقوقها، وينصب مرشداً كالمرشد في قم يسلب الناس حريتهم الشخصية على أساس مفاهيم مذهبية ضيقة، تعكس مفهوم أقلية الأقلية بين مسلمي العالم. يكفي أن نضع قائمة بالدول والأطراف التي تؤيد المعارضة في البحرين لحسم الجدال حول الهدف. كل حديث غير هذا جهل بدأ بالتقسيط، وتحول إلى تسونامي يدين كل من خُدع في الميديا الغربية بكذب قيادة المعارضة، واتباعها، ولا أقول كل شيعة البحرين، فبعضهم ديموقراطي حقيقةً لا قولاً. بعض الأمثلة: «وول ستريت جورنال» الليكودية كان عنوان خبرها عن البحرين في 11/4/2012 «العنف يندلع في بلدات البحرين ويهدد المحادثات». أسأل: أي محادثات؟ الوفاق قاطعت المفاوضات من البداية، وتريد الموافقة على طلباتها قبل الجلوس إلى المائدة. أما العنف فالشرطة استخدمت الغاز المسيل للدموع، وأولاد أرسلهم الكبار الجبناء استعملوا زجاجات مولوتوف الحارقة، وأصر على أن هذه أسوأ من الغاز أو في سوئه. لفت نظري في خبر «وول ستريت جورنال» سطر يتحدث عن أوجه شبه بين الوضع في البحرين وسورية. ثم قرأت مقارنة مماثلة في «واشنطن بوست» الراقية في افتتاحية كتبها «مجلس التحرير» الذي يضم ليكوديين معروفين، ونشرت في 14 الجاري. وفي اليوم التالي كان باتريك كوكبرن في «الاندبندنت» يتحدث عن «ازدواجية المعايير» وهو يقارن بين تجاهل أميركا وبريطانيا الوضع في البحرين والتركيز على سورية. وكان الكاتب نفسه تحدث قبل ثلاثة أيام عن الإصرار على إجراء «الغران بري» على رغم تزايد العنف. وأقول إن هذا «العنف» كان غاز الشرطة وزجاجات المعارضة الحارقة، فيما كان يقتل في سورية بعد الظهر أكثر ممن قتل في البحرين منذ 14/2/2011. الميديا الغربية أشارت إلى الفرق بين سورية والبحرين ثم قالت إنما... أزعم أنه في الفترة منذ بدء المعارضة محاولة فرض نظام شيعي على البحرين قتل في مدارس أميركا وحدها أكثر مما قتل في شوارع البحرين كلها. ولم تترك «الغارديان» الفرصة تفوتها، فقالت في خبر إن «فرق الفورمولا واحد تدعو إلى إلغاء مسابقة البحرين» ووجدت أن كاتبي الخبر يعتمدان على مسؤول واحد في فريق واحد من دون تسميته. وأنا واثق من أن الكاتبين نقلا بدقة ما قال الرجل، واعتراضي أنه لا يمثل سوى نفسه. السباق جرى من دون مشكلة، وانتظر نتائج التحقيق في سقوط قتيل، ولكن لم تعتذر صحيفة واحدة أو تتراجع، بل إن «الغارديان» الراقية نشرت رسماً كاريكاتورياً عن زجاجة شمبانيا تفيض دماً. غير أنني لا أعذر «التايمز» عن رسم لشيخ يملأ سيارة سباق يقودها بيرني اكلستون، رئيس «فورمولا واحد»، دماً فهذه الجريدة أيدت الحرب على العراق حيث قتل مليون مسلم غالبيتهم من الشيعة، وهي الآن وسط تحقيق قضائي كجزء من امبراطورية روبرت ميردوخ الصحافية المتهمة بالتنصت على الأحياء والموتى، ولا تستطيع أن تحاضر في الأخلاق الحميدة لأنها مجردة منها. «نيويورك تايمز» قررت عشية «الغران بري» أن المسابقة لا تسير بحسب الخطة الموضوعة. إلا أنها جرت بحسب الخطة تماماً، والمعارضة أحرقت إطارات في قراها، واحتفل المشاركون والمتفرجون بنجاح السباق، وغادروا البحرين بأمان كما دخلوا. وغداً تكنس الميديا الغربية خطأها تحت السجادة وتركز على الخطأ التالي، حتى ينكشف فتنتقل منه إلى غيره. [email protected]