انتهجت إسرائيل سياسة «الأرض المحروقة» خلال الساعات الأخيرة في قطاع غزة في إطار العدوان المتواصل من الثامن من الشهر الجاري، فضربت ب «جنون» في كل اتجاه ومكان، وارتكبت سلسلة مجازر في حي الشجاعية شرق غزة، وفي حق عائلة ضهير، وعائلة الأسطل في مدينة خان يونس جنوب القطاع، وأخرى في حي التفاح شرق مدينة غزة، وأبشعها قصف استهدف مدرسة لإيواء المهجّرين تابعة ل «وكالة الأممالمتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (أونروا) في مخيم جباليا للاجئين استشهد فيها 15 فلسطينياً. وأطل القائد العام ل «كتائب القسام»، الذراع العسكرية لحركة «حماس» محمد الضيف من خلال تسجيل صوتي بثته قناة «الأقصى» التابعة للحركة، جدد فيه شروط المقاومة لوقف النار، تلاه عرض القناة شريط فيديو يُظهر عملية نوعية لمقاتلي كتائب القسام في موقع» ناحال عوز» العسكري شرق غزة. وبدا المشهد الإنساني كارثياً ومأسوياً في القطاع حيث لا يزال التيار الكهربائي مقطوعاً عن معظم مناطق القطاع منذ 48 ساعة بعد قصف محطة التوليد الوحيدة، ما حال دون إيصال المياه لمعظم السكان، فضلاً عن توقف محطات معالجة مياه الصرف الصحي، فيما المستشفيات تعجز تماماً عن تقديم العلاج للمرضى، عدا عن آلاف الجرحى والمصابين. وفيما التزمت الأممالمتحدة، المنظمة الأم، الصمت تجاه المجزرة، صعدت المنظمة الفرع «أونروا» من لهجتها ونقدها لإسرائيل، ووصف المجزرة في بيان بأنها «عار على جبين العالم». تهدئة إنسانية وأعلنت إسرائيل «تهدئة إنسانية» لأربع ساعات بعد ظهر أمس، لا تشمل المناطق التي توغلت فيها قواتها في بلدة بيت حانون شمالا، وحيي الشجاعية والتفاح شرق مدينة غزة، والمناطق الشرقية من مدينة خان يونس جنوباً، سارعت إلى اختراقها مرات عدة، وقتلت ستة فلسطينيين في أول ربع ساعة من دخولها حيز التنفيذ. وقال منسق الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية يؤاف مردخاي، إنه «تقرر وقف النار من جانب إسرائيل لمدة اربع ساعات تبدأ بالساعة الثالثة عصر اليوم (أمس) وتنتهي عند السابعة مساء». ووصف الناطق باسم حركة «حماس» سامي أبو زهري هذه التهدئة بأنها «للاستهلاك الإعلامي، ولا قيمة لها كونها تستثني المناطق الساخنة على حدود القطاع». من جهتها، اتهمت «أونروا» إسرائيل بتعمد قصف مدرسة «أبو حسين» التابعة لها في مخيم جباليا. وقالت في بيانها: «في مساء (أول من) امس، تم قتل الأطفال وهم نيام بجانب آبائهم على أرضية أحد الفصول الدراسية في أحد ملاجئ الأممالمتحدة المخصصة للنازحين في مخيم جباليا للاجئين في غزة». وأضافت: «أطفال يقتلون أثناء نومهم! إنها صفعة وإهانة لنا جميعاً، ووصمة عار على جبين العالم، واليوم يقف هذا العالم مَخزِياً». وأوضحت أن «تقويمنا الأولي يشير الى أن المدفعية الإسرائيلية ضربت مدرستنا التي تؤوي 3300 نازح جاؤوا يطلبون الأمن والأمان ... كانت هناك على الأقل ثلاث ضربات أصابت المدرسة». وأشارت إلى أنه «تم إخطار الجيش الإسرائيلي بالموقع الدقيق لمدرسة إناث جباليا الإعدادية وبإحداثيتها، كما تم إخطارهم بأن المدرسة المذكورة تؤوي آلاف النازحين، ولضمان حصانة المدرسة وحمايتها تم إعلام الجيش الإسرائيلي بموقع المدرسة 17 مرة متتالية كان آخرها الساعة التاسعة إلا عشر دقائق من مساء (أول من) أمس، ساعات قليلة قبل القصف المميت على المدرسة». ودان مفوض «أونروا» بيير كرينبول «بأشد العبارات الممكنة هذا الانتهاك الخطير للقانون الدولي من القوات الإسرائيلية». وقال إنها «المرة السادسة التي تتعرض فيها واحدة من مدارسنا لضربة مباشرة، وأن موظفينا الذين يقودون الاستجابة الدولية يقتلون، وملاجئنا تفيض بالنازحين، وعشرات الآلاف سيكونون قريباً في شوارع غزة من دون طعام ولا ماء أو مأوى في حال استمر هذا الاعتداء». وتابع: «بعد هذا الحادث، انتقلنا خارج نطاق العمل الإنساني إذ إننا الآن في حيز نطاق المساءلة والمحاسبة»، داعيا المجتمع الدولي إلى اتخاذ إجراءات سياسية دولية مدروسة ومقصودة لوضع حد لهذه الدمار المستمر. 70 شهيداً ميدانياً، واصلت قوات الاحتلال الإسرائيلي أمس عدوانها لليوم الثالث والعشرين على التوالي جواً وبراً وبحراً، مستهدفة منازل المدنيين المأهولة وقصفها فوق رؤوس ساكنيها، وغير المأهولة أيضاً. ووفقاً لوزارة الصحة في غزة، استشهد أمس أكثر من 70 فلسطينياً، ليرتفع العدد منذ بدء العدوان الى 1306 فلسطينيين، من بينهم 287 طفلاً، و130 سيدة، و57 مسناً، وأكثر من 7200 جريح، من بينهم 2164 طفلاً، و1314 امرأة، و282 مسناً. وسقط 15 شهيداً، من بينهم مصور صحافي، وأكثر من 160 جريحاً في قصف استهدف سوق الخضار الشعبية غرب حي الشجاعية والبعيدة جداً من مناطق الاشتباكات، قبل نحو ساعة من انتهاء التهدئة الإنسانية مساء أمس، كما ارتقى 15 شهيداً في مدرسة «أبو حسين» التابعة ل «اونروا»، و11 من أبناء عائلة الأسطل في قصف منزلهم في خان يونس، وسبعة من عائلة ضهير في قصف منزلهم في المدينة نفسها، وخمسة شهداء و15 جريحاً في قصف استهدف منازل عائلتي أبو جزر والغلبان في خان يونس ليل الثلثاء- الأربعاء، وسبعة من عائلة الخليلي في حي التفاح في قصف مدفعي استهدف منزلها صباح أمس، وأصيب مسعفان أثناء قصف مسجد السوسي في مخيم الشاطئ للاجئين في غزة، فيما أعلن الدفاع المدني أن أربعة من موظفيه استشهدوا منذ بدء العدوان وعدد آخر أصيب بجروح. في هذه الأثناء، واصلت فصائل المقاومة الفلسطينية ردها على العدوان من خلال استهداف مواقع وحشود عسكرية داخل القطاع وخارجه، ومستوطنات بالصواريخ وقذائف الهاون. وأعلنت «كتائب القسام» أنها فجرت أمس مبنى مفخخاً بعبوات ضخمة دخل إليه جنود الاحتلال شرق خان يونس، ما أسفر عن قتل وإصابة عدد من الجنود. كما أعلنت «سرايا القدس» أنها فجرت منزلاً ملغماً في منطقة أخرى شرق مدينة خان يونس وقتلت وجرحت عدداً من الجنود. وأطلقت السرايا وفصائل أخرى عشرات الصواريخ ومئات القذائف على مواقع وحشود عسكرية ومستوطنات جنوب إسرائيل ووسطها. كما بثت «كتائب القسام» ليل الثلثاء- الأربعاء شريط فيديو لعملية «ناحال عوز» البطولية، والذي ظهر خلاله عدد من مقاتلي الحركة يقتحمون الموقع العسكري ويهاجمون جندياً أخذ يصرخ، فيما انهالوا عليه بالضرب قبل قتله، ليعودوا من فوهة النفق الذي دخلوا منه. وقالت القناة العاشرة الإسرائيلية إن مسلحي «حماس» لم يحاولوا التوجه إلى كيبوتس (قرية تعاونية) «ناحل عوز» لقتل المدنيين بل صوب الموقع العسكري لقتل الجنود. وعقب تداول فيديو العملية على المواقع العبرية، أصدر الرقيب العسكري الإسرائيلي ومدراء المنتديات أمراً بحظر نشره خشية من شدة وقعه على الجبهة الداخلية والحالة النفسية للجنود. وقالت صحيفة «يديعوت أحرونوت» إن «حالة من الغضب تسود صفوف الجنود الإسرائيليين في أماكن تمركز القوات على جبهة غزة لغياب التحصينات والتعليمات». ووصف الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي موتي ألموز عملية الاقتحام ب «الخطيرة جداً». وكانت مصادر عسكرية إسرائيل قالت إن ثمانية جنود كانوا في الموقع ساعة الهجوم، قُتل منهم خمسة، بينما امتنع اثنان عن إطلاق النار، في حين أطلق أحد الجنود الموجودين في أعلى برج المراقبة النار على المجموعة أثناء محاولتهم خطف جندي، ما حال دون خطفه.