«الطريق إلى التحرير» سلكه كثيرون، منذ بضع سنوات، قبل انطلاقة ثورة 25 يناير، ومن بين هؤلاء الفنان التشكيلي محمد عبلة الذي يقيم معرضاً للوحاته التي تدور حول هذا الموضوع وحمل العنوان ذاته، وهي لوحات، كما يورد في كلمته ضمن الكتيب الخاص بالمعرض، تحمل إرهاصات لما هو آت ومشحونة بنقد من العيار الثقيل لما كان قائماً، فرفضتها قاعات العرض الخاصة في ذلك الحين. هل هي نبوءة الفن بالانفجار الثوري في ميدان التحرير؟ بعض اللوحات موقع بتواريخ من العام 2004، وهي على ما يبدو المرحلة التي دشن خلالها عبلة أعماله الفنية المركبة من رسوم كاركاتير ومانشيتات صحف، إضافة إلى «بورتريهات» لشخصيات مشهورة ومؤثرة مثل جمال عبد الناصر وياسر عرفات وعبد الحليم حافظ وحسن البنا وحمدين صباحي، إلى جانب شخصيات لرجل الشارع والفلاح وهم أبطال العمل الفني، يشاركهم المساحة العسكري الذي أصبح قاسماً مشتركاً في تفاصيل الحياة اليومية المصرية وقضاياها. وعن أسلوب مزج وسائط فنية عدة، يقول عبلة: «هو أقرب إلى الغرافيتي الذي لم يكن منتشراً حينها كما اليوم، لكن في لوحات، هذه، كما تصورت، أنسب طريقة للرسم، أجمع رسوم كاريكاتير وصوراً فوتوغرافية مع رسومي، فأنا أريد أن أشير إلى الواقع وأوضح مدى انفعالي بالأحداث لكن بطريقتي الفنية الخاصة». لكن الروائي صنع الله إبراهيم استخدم هذا الأسلوب في العديد من رواياته، لا سيما «ذات»، فيجيب بأريحية: «نعم لقد استفدت من تجربته، أو لنقل أنها مدّتني بنوع من الدفع المعنوي، كنت أفكر في إمكان توظيف هذا الأسلوب فنياً لكنني لطالما شككت في جدواه، غير أنني أحسست، بعد معايشة أجواء الرواية، أن هناك من يفكر ويعمل فيجعل هذه الطريقة منطوقاً فاعلاً للأفكار والمشاعر، شعرت أنني قريب من هذا النهج، فتشجعت ومضيت في ما كنت أنويه». وأهم الشخصيات في أعماله، يقول عبلة، هو الإنسان المصري البسيط، الموجود في غالبية اللوحات في أشكال وأنماط عديدة، في محاولة للإحاطة بمختلف نوعيات وشرائح المجتمع المصري، في مقابل صورة «العسكري» الذي أصبح اليوم متحكماً في كل شيء، وكان في الماضي رمزاً للحياة البوليسية المهيمنة على حريات الناس، أما لافتات المحال المتداخلة مع عناوين الصحف ومؤشرات البورصة فترمز إلى الرشوة والفساد، وهي للدلالة على أنه كان لكل شيء سعر، وكل شيء قابل للبيع والشراء». يعتبر عبلة أن للفن دوراً في كشف الفساد وأربابه، أو على الأقل يريد لفنّه أن يؤدي هذا الدور، أن يكون ضد الظلم ويراهن على وعي الناس ويتكاتف معهم. ألهذا شارك في معظم الأحداث الوطنية؟ «الفنان يحاول تسجيل الحوادث الوطنية، وأن يكون عين الناس، فمثلاً عند احتراق المجمع العلمي في أحداث شارع مجلس الوزراء، أقمت معرضاً في اتيليه القاهرة الذي أتشرف برئاسته، في كانون الثاني (يناير) 2012، وعرضت مجموعة لوحات أصلية من كتاب «وصف مصر» الذي دُمِّر في الحريق، وهي مجموعة من مقتنياتي الخاصة، جئت بها من سويسرا». يتابع: «وفي حادثة تعرية الفتاة المنقبة، رسمت لوحة «ست البنات» وطفت بها مع العشرات في ميدان التحرير، وأنا لا أتخلّف أيضاً عن المشاركة الدائمة في مهرجان «الفن ميدان»، حيث أرسم رواد المهرجان من أطفال وشباب وغيرهم بطريقة معينة، أسميها «أسلوب عبلة التفاعلي»، ومن خلالها يرى الشخص صورته ويعيش معي التجربة ويكون جزءاً منها». أكثر الرسوم الكاريكاتيرية التي اشتغل عليها عبلة تعود إلى الفنان سمير عبد الغني، الذي ينشر أعماله في جريدة «العربي» و»القاهرة» وغيرهما، وعن هذا الخيار يقول الأخير: «لم يحصل تنسيق بيني وبين عبلة، بل فوجئت حين ذهبت لرؤية المعرض بوجود رسوماتي في إطارات، وضمن لوحاته التشكيلية، بعد تكبيرها والاشتغال عليها برؤيته». معرض «الطريق إلى التحرير» المقام في قاعة «الباب»، بجوار متحف الفن الحديث بالأوبرا، مستمر حتى 28 من الشهر الجاري، وعرض بعد الافتتاح فيلم تسجيلي عن حياة وأعمال محمد عبلة، صورت غالبية مشاهده في متحف الكاريكاتير الذي دشَّنه في محافظة الفيّوم.