قرار إيران والدول الست المعنية بملفها نقل المفاوضات إلى بغداد شكلت دعماً قوياً لحكومة نوري المالكي الذي يخوض صراعاً داخلياً مع قوى مناهضة لطهران وتوجهاتها السياسية في الإقليم. وأوحت بأن الطرفين متوافقان على أن يعود العراق إلى لعب دور الدولة المستقرة القادرة، وسط هذه الفوضى التي تضرب الشرق الأوسط. لا بل إن إيران ذهبت إلى أبعد من ذلك حين أعربت عن استعدادها لتسوية «سريعة»، وأكد سكرتير مجلس تشخيص مصلحة النظام محسن رضائي، أن بغداد ستعلب دوراً كبيراً في هذه التسوية، خلال المفاوضات. وقال: «نظراً إلى أن أصدقاءنا في تركيا لم يفوا ببعض اتفاقاتنا، من الأفضل إجراء المحادثات في دولة صديقة أخرى». الواقع أن التوافق الأميركي-الإيراني على أن تكون بغداد مقراً للمفاوضات، لا يعني أنها ستكون سهلة أو أن التسوية ستحصل بفضل العراقيين (إذا حصلت)، بل يعني أن لكلا الطرفين مصلحة في دعم النظام العراقي. الولاياتالمتحدة تريد التأكيد أن حربها لم تكن عبثية، وأنها حولت العراق إلى دولة ذات شأن في السياسة الدولية والإقليمية، فيما تريد إيران اعترافاً دولياً بدورها في هذا البلد العربي الذي يشكل نموذجاً لتلاقي مصالحها مع الغرب، أو لتقاسم النفوذ في المنطقة. أما المسؤولون العراقيون، وفي مقدمهم المالكي، فيرون في عقد المفاوضات دعماً لهم في مواجهة خصومهم في الداخل. وهذا ما أكدوه حين أعلنوا عودة العراق إلى محيطه، بعد القمة العربية، وبعد عقود طويلة من الحروب والعقوبات والعزلة وخروجه من المعادلة الإقليمية. كانت تصريحاتهم متفائلة جداً، بل كان مبالغاً فيها إلى حد المزاح، على رغم علمهم أن عودة بغداد إلى محيطها العربي شبه مستحيلة الآن لأن توجهاتها السياسية لا تتوافق وتوجهات هذا المحيط فالمطلوب من المالكي أن يواجه النفوذ الإيراني في بلاده. وأن لا يفتح الأسواق أمام البضائع السورية، ومطلوب منه أيضاً أن لا يحول العراق إلى جزء من منظومة إقليمية يناهضها هذا المحيط. واضح أن بغداد لا تستطيع، وحكومتها لا تريد، مغادرة هذه المنظومة، لذا استبعدت من أي محادثات أو خطط تتعلق بالبحرين أو اليمن أو الإمارات أو سورية، ولذا دعا مجلس التعاون الخليجي المغرب والأردن للانضمام إليه، علماً أن العراق أولى بذلك، بحكم وقوعه على الخليج. شكوك الخليجيين في مواقف المالكي كبيرة جداً ويرون أن العراق، بسياسته الحالية، يشكل جسراً لتواصل المحور المناهض لكل سياساتهم، فضلاً عن عرقلته خطط تركيا والدول التي اجتاحها ربيع الإسلاميين. ويرى الخليجيون أن سعي المالكي إلى تكريس هذا الواقع يعني تكريساً ل «الهلال» الذي حذر منه العاهل الأردني. ويعني أيضاً خرقاً جيواستراتيجياً تصدت له الولاياتالمتحدة وتركيا وإيران الشاه، أيام الحرب الباردة في القرن الماضي، وتتصدى له الآن مع دول مجلس التعاون، فيما ترى فيه موسكو فرصة ذهبية للعودة إلى الحلبة الدولية في بداية الحرب الباردة الجديدة. المطلوب من المالكي كي يعود العراق إلى محيطه هو ذاته المطلوب من النظام السوري: الابتعاد عن إيران، حتى لو عقدت المفاوضات حول ملفها النووي في بغداد بالتوافق مع واشنطن. وكل المؤشرات تؤكد أن جيران العراق، عدا إيران وسورية بطبيعة الحال، لن يبقوا مكتوفي الأيدي إذا استمر المالكي في سياسته.