القاهرة، عمان، الناصرة - «الحياة»، أ ف ب - أثارت زيارة مفتي مصر علي جمعة للقدس المحتلة عاصفة من الجدال، اذ اعتبرها معارضوه «تطبيعاً مع إسرائيل»، فيما خرج جمعة أمس ليدافع عن نفسه، فأكد أنه «لم يدخل بتأشيرة إسرائيلية، ولم أر طوال طريقي إلى بيت المقدس إسرائيلياً واحداً»، موضحاً أن الزيارة «شخصية ونعمة من الله لم أستطع رفضها». وكان جمعة زار بصحبة الأمير الأردني غازي بن محمد للمرة الأولى أول من أمس المسجد الاقصى في القدسالشرقية التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967، كما قاما بزيارة كنيسة القيامة وبطريركية الروم الأرثوذكس في مدينة القدس، قبل أن يعود إلى القاهرة أمس ليجد في انتظاره عاصفة من الانتقادات. وأعلنت غالبية الأحزاب والقوى السياسية في مصر، وفي مقدمها الإسلامية، رفضها الزيارة واعتبرها «تطبيعاً مع الدولة العبرية». وقال حزب «الحرية والعدالة»: «نرفض بشكل قاطع الزيارة مهما كانت المبررات والأسباب»، مؤكداً في بيان أمس أنها «كارثة حقيقية وضربة موجهة الى الجهاد الوطني الذي نجح في إفشال كل محاولات التطبيع طوال السنوات الماضية»، داعياً إلى «مساءلة» المفتي «بالشكل الذي لا يسمح بتكرار مثل هذه المواقف من أي شخصية اعتبارية رسمية بما فيه أضرار بالقضية الفلسطينية». وتبرأ شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب من الزيارة، موضحاً أنه لم «يستشر قبل اتمامها، وانه فوجئ بها في وسائل الإعلام»، مشدداً على أن «الأزهر لم يوافق قط على زيارة القدس تحت الاحتلال». وانتقد حزب النور «السلفي» زيارة جمعة للقدس المحتلة، واعتبر الناطق باسم الحزب يسري حماد أن المفتي «لوّث» منصب مفتي الديار بزيارته للقدس والتي تعتبر «جريمة في حق هذا المنصب»، مؤكداً أن الحزب «يرفض تماماً أي زيارات للقدس طالما بقت تحت الاحتلال»، مضيفا: «نرفض التطبيع بشكل كامل». وقال المرشح لانتخابات الرئاسة الدكتور محمد سليم العوا أن «زيارة المفتي أو أي عالم مسلم من خارج بيت المقدس ومن خارج فلسطين عموماً إلى القدس الشريف تحت الهيمنة الصهيونية، تؤكد القبول ولو شكلياً أو ظاهرياً لهذه السيطرة، وليست المسألة مسألة ختم جواز السفر لفضيلة المفتي بالختم الإسرائيلي أو غيره، لكنها مسألة دخول منطقة تحت الاحتلال الصهيوني». ودعا في بيان المفتي وجميع علماء المسلمين «ألا يزوروا الأماكن المقدسة في فلسطين إلا إذا تحررت تحرراً كاملاً من الهيمنة الإسرائيلية». الازهر بصدد اتخاذ موقف واجتمع مجمع البحوث الإسلامية التابع لمؤسسة الأزهر في حضور المفتي أمس لبحث الموضوع واتخاذ موقف ازاء هذه الزيارة. ودافع المفتي عن نفسه، مؤكداً في مؤتمر صحافي أنها لم تكن زيارة رسمية، وقال: «الزيارة تمت تحت الإشراف الكامل للسلطات الأردنية، ومن دون الحصول على تأشيرة أو ختم دخول إسرائيلي». وأضاف أن «الاحتلال الإسرائيلي ينظم رحلات مكثفة لليهود من انحاء العالم لزيارة القدس حتى بدأوا بالمطالبة بالتوسع على حساب الاقصى». وتابع أن «أي شخص يزور القدس سيزداد رفضاً للظلم والاحتلال ويعود من الزيارة وقد استيقظت القضية في قلبه من جديد». فتوى علماء الاردن وفي الاردن، اعتبر علماء شريعة امس في بيان ان زيارة القدس او الأقصى تمثل «اعترافاً بأن فلسطين إسرائيلية»، مؤكدين في فتوى أصدروها ان «هذا التصرف خيانة لله وللرسول». وقالت اللجنة المركزية لعلماء الشريعة في حزب «جبهة العمل الإسلامي»، الذراع السياسية ل «الاخوان المسلمين» في الاردن، ان «مقدم الطلب لسفارة يهودية يعترف بأن فلسطين اسرائيلية يهودية اعترافاً مكتوباً»، ما «يعني تنازلا عن السيادة الاسلامية على فلسطين واقراراً بالسيادة اليهودية عليها». واعتبرت ان زيارة القدس «تطبيع مع العدو اليهودي، واتفق علماء الأمة على حرمته لأنه يعني إزالة السيادة الاسلامية على فلسطين وإقرار بالسيادة اليهودية عليها والتعامل مع الغزاة الغاصبين على انها ارضهم». واكدت ان «المطلوب من كل مسلم، خصوصا العالِم، ان يطبق الحكم الشرعي ازاء هذا العدو المعتدي، وهو حشد الأمة الإسلامية وحفزها لقتال هؤلاء اليهود، لا مسالمتهم والرضا بعدوانهم». الشيخ صلاح: تسليم بالاحتلال وتواصلت ردود الفعل الفلسطينية على الزيارة، اذ قال رئيس الحركة الإسلامية في إسرائيل الشيخ رائد صلاح إن الاحتلال يسعى من خلال السماح لبعض الشخصيات والعلماء من الدول الإسلامية والعربية بزيارة الأقصى «الى إحداث متاهات في سلوكيات المسلمين والعرب والفلسطينيين تجاه المسجد، ويحاول أن يستدرج الجميع الى حال خطيرة هو الرابح الوحيد فيها، وهي ان يتمّ التسليم بوجود احتلال إسرائيلي وسيادة إسرائيليين على الأقصى ومدينة القدس المحتلّين، وان يكون واقع هذه الزيارات إقراراً بهذه السيادة الاسرائيلية». وأبدى «استغرابه» من سلطات الاحتلال «التي تعطي موافقات لزيارات شخصيات مسلمة من الخارج بينما تمنعني وتمنع خطيب المسجد الاقصى ورئيس الهيئة الاسلامية العليا في القدس الشيخ عكرمة صبري والمئات من أهلنا بأوامر عسكرية من دخول المسجد». وناشد «جميع الملسمين والعرب أن يدركوا مدى حساسية هذا الصراع الذي نعيشه الآن على أرض القدس والمسجد الاقصى ... أنا أطمع منهم أن يرفعوا شعاراً واضحاً، وهو أن تكون زيارة الأقصى أو القدس أو كنيسة القيامة من دون أدنى إذن من الاحتلال الاسرائيلي، ولن يتوافر ذلك إلاّ إذا زال الاحتلال». الهباش يثمن الزيارة في المقابل، رحب وزير الأوقاف والشؤون الدينية في السلطة الفلسطينية محمود الهباش امس بالزيارة، معتبراً أنها تأتي في سياق تعزيز صمود أهالي مدينة القدس ودعمهم ومشاركتهم آلامهم من الاحتلال الإسرائيلي. وقال في بيان إن «السلطة تثمن هذه الزيارة المهمة من شخصية دينية كبيرة بحجم مفتي مصر الشيخ الذي جاء لزيارة القدس باعتبارها فضيلة دينية وضرورة سياسية تحتمها الهجمة الاستيطانية الشرسة التي تتعرض اليها المدينة المقدسة من المستوطنين الذين يسعون يومياً الى انتهاك حرمة الأقصى من خلال زياراتهم المتكررة، كمقدمة لتكريس وجودهم غير الشرعي داخل باحاته والصلاة فيه». كما دعا علماء المسلمين إلى شد الرحال إلى الأقصى والصلاة فيه. يذكر انه منذ بداية الشهر، سجلت زيارات عدة للمسجد الاقصى، اذ قام الامير هاشم بن الحسين في الخامس من نيسان (ابريل) بزيارة المسجد مع الداعية السعودي المسلم الحبيب الجفري. كما قام وزير الداخلية الاردني محمد الرعود بزيارة للاقصى قبل ايام، علماً ان الاردن يعتبر تقليدياً مسؤولاً دينياً عن المسجد الاقصى وقبة الصخرة، ويقوم بالاشراف عليهما بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية. وقالت وزارة الاوقاف في الاردن ان زيارة مفتي مصر «تأتي تشجيعاً للمسلمين القادرين على الوصول الى الاقصى للتواصل مع قبلة المسلمين وأحد اقدس ثلاثة اماكن في الاسلام»، كما تأتي تلبية لنداء اخير بهذا الشأن من الرئيس محمود عباس.