تتذكر شابة (تحتفظ «الحياة» باسمها) مرحلة مرّت بها تعرّضت خلالها للتحرش الجنسي من قبل خالها الذي أقام مع أسرتها، ليكمل دراسته في الجامعة في مدينتها. وتلفت إلى الوقت الطويل الذي تطلّبه الأمر حتى تمكّنت من الإفصاح عمّا يواجهها، نظراً الى حساسية الموقف وشعورها بالحرج والخوف، إضافة إلى التهديدات التي تلقتها منه. وتقول: «أصبحت منعزلة اجتماعياً وأعاني من الاكتئاب النفسي»، وتضيف: «أرفض فكرة الزواج بسبب الرهاب الذي أعانيه من الجنس الآخر». تعتبر المرأة والطفل الحلقة الأضعف وأكثر الفئات التي تتعرض للتحرش الجنسي في السعودية على رغم أن المجتمع «محافظ»، ولا يمكن للنساء الخروج إلى الأماكن العامة إلاّ في اللباس التقليدي «المحتشم»، ما يدحض نظرية بعض الدعاة تحميل المرأة مسؤولية أخطاء المتحرشين وإلقاء اللوم على طريقة اللباس. تتنوع أشكال التحرش الجنسي بالمرأة والطفل بين التحرشات اللفظية والنفسية والجسدية، وكشفت دراسة أعدها الدكتور علي الزهراني اختصاصي الأمراض النفسية في وزارة الصحة السعودية أن «ربع أطفال المملكة تقريباً تعرضوا في شكل أو آخر لأحد هذه الأنواع من التحرشات، والتي في الغالب يقوم بها أشخاص يعيشون داخل محيط الطفل نفسه من الأهل أو الأقارب أو العمالة المتواجدة داخل المنزل أو خارجه، وتواجه المرأة الأمر نفسه، وتتعرّض لما يُعرف ب «زنا المحارم» إذ يتم التحرش بها داخل البيوت ومن أشخاص مأمون دخولهم الى البيت». ويبدو أن الجهات المسؤولة تنبهت إلى أهمية التوعية والتثقيف في هذا الأمر، على رغم بعض تحفظات المتخصصين على آلية عمل تلك الجهات. ومع ذلك يعتبر التحرك الحكومي انفراجاً في ظل انقشاع الضباب عن الأمور المسكوت عنها في مجتمع محافظ، ظل لفترة طويلة لا يعلن عن مشكلاته على اعتبار أنها تسيء الى سمعة المجتمع وخصوصيته، ما أدى إلى جعل الضحايا لا يعلنون عمّا يتعرضون له، خوفاً من الوصمة أو الفضيحة، كما يمنعهم الحياء أو الشعور بالتهديد من المتحرشين، وهو ما يجعلهم لفترات طويلة يعانون الأمرين وتصبح مسألة الخروج من الأزمة ومواجهة المشكلة أكثر تعقيداً. ولا تنتهي المشكلة بانتهاء فعل التحرش، فالضحايا غالباً يتحولون إلى أشخاص مهزوزي الثقة بأنفسهم وبغيرهم، ولا يستطيعون بسهولة ممارسة حياتهم الطبيعية، ويعتبرون - أكثر من غيرهم - عرضة للاضطرابات والانحرافات، وفي حالات كثيرة يصابون بالأمراض النفسية كالرهاب والاكتئاب، ويحتاجون إلى سلسلة طويلة من العلاج النفسي والتأهيل المستمر. وأطلقت وزارة التربية والتعليم أخيراً برامج خاصة للتوعية والحد من حالات التحرش في المدارس، إذ شرعت جهات خاصة ببرامج توعوية وتثقيفية في المدارس بدءاً بالمرحلة الابتدائية، وتشمل هذه البرامج تعريف الأطفال بحقوق جسدهم وكيفية الحفاظ عليه، وكيفية التصرف في حال حدوث إيذاء، وتوجيه الأطفال وأسرهم إلى كيفية التبليغ والتصرف السريع في المواقف المماثلة. وتعتبر ظاهرة التحرش الجنسي مادة يومية تكتب عنها الصحف السعودية، وتتناولها المنتديات وشبكات التواصل الاجتماعي. ويرى مراقبون أن الظاهرة تنتشر كثيراً في الأماكن التي يكثر فيها الاختلاط بين الجنسين كالأسواق وأماكن العمل المغلقة، ويرى مهتمون أنه بات لزاماً أن تكون هذه القضية من أولويات المشرعين. وترى شريحة كبيرة من النساء أن القانون تأخر كثيراً، بخاصة في ظل التوسع الحاصل في عمل المرأة في مجالات جديدة، إضافة إلى أن توجهات جديدة في المجتمع اقتضت السماح للشباب بدخول المجمعات التجارية، بعد أن كان دخولهم إليها محدداً في أوقات معينة، ما جعل البعض يتوجس من القرارات الجديدة، من باب الزعم بأنها ستساهم في ازدياد حالات التحرش، مع عدم وجود قانون رادع يفرض احترامه على الجميع نساء ورجالاً. وتأتي الحاجة الفعلية لهذا القانون نظراً الى التوسع في مجال عمل المرأة وتنامي حاجة المجتمع لمثل هذه القوانين التي تضبط سلوك الأفراد وتمنع تجاوزاتهم. ومن المتوقع أن تتدرج العقوبات بدءاً من الإنذار و»التقريع»، ومروراً بالغرامات المالية، إلى أن تنتهي بالجلد والسجن. وأعلن ذلك أخيراً عضو مجلس الشورى أستاذ العلوم السياسية، صدقة فاضل، موضحاً ان إمارات المناطق ستكون «مبدئياً» المسؤولة عن تطبيق النظام. ويجري العمل في السعودية حالياً على إصدار قانون لمحاصرة التحرش الجنسي، إذ سيتم التصويت قريباً في مجلس الشورى السعودي على الصيغة النهائية لهذا القانون الذي يتضمن تصنيف المخالفات التي تدخل في إطار التحرش الجنسي واستصدار عقوبات لكل مخالفة.