الزميل رياض نجيب الريّس شمّر عن ساعد الجد وتلقيت منه كتابين، بعدما كنت أعتقد أن في بيروت من اللذات ما يلهيه عن إنجاز كتاب واحد، إلا أنه صحافي متمرس ومؤلف خبير، أحد مجالات اختصاصه الخليج العربي، وتحديداً عُمان. بعد أربعة من كتب «الرياح»، هي «رياح السموم» و «رياح الشرق» و «رياح الشمال» و «رياح الجنوب» هناك اليوم كتاب رياح خامس لا خمسينية، هو «رياح الخليج: بدايات مجلس التعاون والصراع العربي - الإيراني 1980-1990». ثمة خبراء كثيرون في الشأن الخليجي أضع الصداقة مع رياض من أيام «الحياة» القديمة جانباً ثم أضعه في مقدمهم، فهو عاصر الأحداث ويعرف القادة، ومعلوماته موثقة يمكن أي باحث الاعتماد عليها. الكتاب يقدم رواية شاهد عيان لقيام مجلس التعاون بعد اجتماع في الرياض سنة 1981 عندما اتُفق على مجلس أعلى لرؤساء الدول، ومجلس وزاري لوزراء الخارجية أو من ينوب عنهم، وأمانة عامة برئاسة أمين عام متفرغ. وهناك فصول عن سياسات السعودية والبحرين والإمارات وقطر والكويت، وعن صعوبة تعامل دول الخليج مع نظام الشاه المتغطرس الذي اعتبر الخليج بحيرة فارسية، ثم الصعوبة الأكبر في التعامل مع الجمهورية الإسلامية وطموحات آيات الله. هل مجلس التعاون نادٍ للأغنياء؟ استمراره لا ينفي «تهمة» الثراء وإنما يظهر أن القيادات كانت في مستوى التحديات، والمؤلف يسجل ثلاث سنوات متتالية كل واحدة أصعب من سابقتها بدءاً بسقوط الشاه 1978-1979، وغزو السوفيات أفغانستان 1979، وبدء الحرب العراقية - الإيرانية سنة 1980. واستعدتُ ذكريات مشتركة وأنا أقرأ الكتاب الثاني وهو «عُمان الأمس، وعُمان الغد» من تأليف رياض نجيب الريس وسيف بن هاشل العسكري، ويضم حوار المؤلفين مع محرري مجلة «القلق» العمانية الإلكترونية، ورياض يتحدث عن الماضي، وكنت شاهداً عليه معه، وسيف عن المستقبل. يقول رياض إن أول زيارة له إلى عُمان كانت سنة 1970 وآخر زيارة سنة 1995، وأول زيارة لي كانت سنة 1972، ثم 1975 عندما أجريت مقابلة طويلة للسلطان قابوس، ثم زرتها كرياض سنة 1995، وأجريت مقابلة ثانية للسلطان، وعدت إلى زيارتها بعد ذلك مع ياسر عرفات. مع ذلك وجدتُ معلومات كثيرة مفيدة في الكتاب، بعضها جديد عليّ رغم ما أزعم من خبرة في البلد. عُمان الأمس من ذاكرة رياض تشمل محاولة اليساريين إشعال فتنة وهم يقولون إن عُمان أباضية وظفار سنية، غير أن السلطان كان جريئاً واستعان بإيران لإخماد ثورة ظفار، فكان أول من فعل ذلك في الخليج حيث كان قادة كثيرون يتحاشون التعامل مع الشاه. في 40 سنة نقل السلطان قابوس عُمان من العصور الوسطى إلى العصر الحديث، وعندما زارها رياض أول مرة لم يجد سوى طريق معبّد واحد بين المطار والعاصمة، وعندما زرتها بعده بسنتين وجدتُ طريقاً آخر بين مسقط ومطرح، والآن عُمان في تقدم دول الخليج الأخرى، مثل الإمارات والبحرين. طالما أن رياضاً اختار النشاط، فإنني أتمنى عليه في طبعة جديدة من كتابه «رياح الخليج» أن يزيد فصلاً عن فكرة اتحاد الخليج، خلفياتها وإمكاناتها الحالية والمستقبلية. ومعي كتابان عن اليمن لن أعرضهما لأن خبرتي محدودة، رغم أنني أعرف الرئيس عبدالله صالح من أول يوم لحكمه وحتى اليوم. الكتابان هما «ربيع اليمن» من تأليف الدكتور حسين صفي الدين، و «الفاعلون غير الرسميين في اليمن» وهو يضم جهد سبعة مفكرين، ومن تحرير شفيق شقير. ولعل من القراء من يهمه الموضوع ويطلبهما. وأختتم بكتاب «أزمة الطبقات الوسطى في المشرق العربي» للفرنسية اليزابيث لونغنيس، وصادر عن الشركة العالمية للكتاب في بيروت، وهو مترجم عن الفرنسية ومؤلفته صاحبة خبرة 30 سنة في المنطقة. وقد لفت نظري فيه أنها تتحدث عن سوسيولوجية المهنة، وتختار مهنة «المهندس» وهذا ما طلبت مني أسرتي أن أدرس في الجامعة، واخترتُ أن أدخل كلية العلوم السياسية لأصبح صحافياً غلباناً بدل أن أكون اليوم «باش مهندس قد الدنيا». الدنيا حظوظ ولا أزال أنتظر حظي منها.