في خطاب رسخ تمسك الادارة الأميركية بثوابت الانخراط مع إيران والدفع في عملية السلام في المنطقة، رسمت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون الخطوط العريضة للمرحلة المقبلة، داعية اسرائيل الى «وقف الاستيطان» مع «ادراك الصعوبات السياسية» لهكذا خطوة، وأكدت سعي واشنطن لتهيئة «الظروف المناسبة للمفاوضات»، وتمنت على سورية «تغيير حساباتها» حيال ايران ودعم الارهاب، مشيرة الى أن أي حوار أميركي - ايراني سيكون «بعيدا عن السذاجة ولا يعني الرضوخ لتصرفات النظام» وأن نافذته «ليست مفتوحة زمنياً»، وكررت التزام الولاياتالمتحدة «الدفاع عن أصدقائها عند الضرورة، وبواسطة أقوى جيش في العالم». الخطاب الذي ألقته كلينتون في مجلس العلاقات الخارجية أمس، وبحضور أبرز أركان الادارة وبينهم المبعوثين جورج ميتشل وريتشارد هولبروك، حمل رسائل داخلية وخارجية. ففي الشق الداخلي، ارتأت الوزيرة من توقيت الخطاب اعادة الاعتبارة للوزارة في رسم السياسة الخارجية وبعد انقطاع لأسابيع بسبب كسر مرفقها وخضوعها لعلاج يومي منعها من مرافقة الرئيس باراك أوباما الى روسيا وقمة الثماني، حيث حل مكانها نائب الرئيس جوزيف بايدن ومستشار مجلس الأن القومي جايمس جونز. ويعتبر الخطاب الأرفع للوزيرة منذ توليها الحقيبة وسبقته استشارات موسعة مع البيت الأبيض ومجلس الأمن القومي ومكتبي بايدن ووزير الدفاع روبرت غيتس ورئيس القيادة الوسطى الجنرال ديفيد باتريوس الى جانب مسؤولين سابقين بينهم زبيغنيو بريجنسكي وبرنت سكوكروفت، كما تبعه أمس لقاءان منفردان لها مع أوباما وبايدن قبل مغادرتها اليوم في جولتها الثانية الى آسيا والتي ستشمل الهند وتايلاند. وركز مضمون الخطاب على التحديات الدولية «الشاقة» التي تواجه الولاياتالمتحدة وأبرزها حربا العراق وأفغانستان وعملية السلام في الشرق الاوسط والتطرف المسلح والانتشار النووي الى جانب الركود العالمي والتغيير المناخي ومخاطر الفقر والمجاعة. وأكدت كلينتون أن لدى الادارة الأميركية «الاستراتيجية الصحيحة، والأولويات الصحيحة، والسياسات الصحيحة». ونوهت بالانتخابات في لبنان مؤكدة أن واشنطن «تدعم هؤلاء الذين لديهم توجهات نحو الديموقراطية، وأميركا ستكون صديقتهم وسندعم هؤلاء الذين يريدون بناء المؤسسات الديموقراطية». وركزت كلينتون على عملية السلام كأولوية للادارة الأميركية، وأكدت أنه وبتعيين ميتشل في اليوم الثاني للادارة «لم نضع الوقت في النزاع الفلسطيني الاسرائيلي، بدأنا منذ اليوم الأول العمل نحو دولتين، نعمل مع الاسرائيليين حول مسألة المستوطنات مع أننا نعرف أن الظروف السياسية صعبة». وأكدت في المقابل أن «الفلسطينيين لديهم واجبات، مثل وقف التحريض»، كما على العرب أيضا واجبات، منوهة «بالمبادرة العربية للسلام» في العام 2002 و»كخطوة ايجابية ينبغي ضرورة البناء عليها... بالانفتاح على اسرائيل». وأملت في الوصول الى اتفاق من دون تحديد سقف زمني، مؤكدة «اننا نعمل من دون توقف لتهيئة الظروف للمفاوضات». وأعادت شروط الرباعية ازاء «حماس» كشرط أساسي للانفتاح عليها. وعن سورية، أكدت: «أوضحنا للسوريين ومن خلال نيتنا في اعادة السفير أننا نريد انخراطا، لكننا نتوقع أن يكون هناك خطوات متبادلة ونريد أفعالاً من السوريين»، مشيرة الى أن «سورية لاعب محوري في كل ما نفعله في الشرق الأوسط، أتمنى أن تتغير الحسابات السورية عن علاقتهم بايران ودعمهم للارهاب». واذ شددت كلينتون على ضرورة التعاون الدولي في مواجهة التحديات، وجهت رسالة واضحة الى «خصوم» واشنطن فيما بدا أنها تعني ايران تحديدا، وقالت أن «التركيز على الديبلوماسية والتنمية لن يكون بديلا لترسانة أمننا القومي»، وأضافت «يجب ألا تعتبروا يوما بأن استعداد أميركا للحوار بادرة ضعف يجوز استغلالها... لن نتردد في الدفاع عن أصدقائنا وأنفسنا بقوة عند الضرورة وبواسطة الجيش الأقوى عالميا». وزادت: «ان هذا ليس خيارا نسعى نحوه وليس بتهديد، انه وعد للشعب الأميركي». وقالت: «لا يمكننا الخوف من الانخراط... البعض يراه مؤشر ضعف أو سذاجة أو رضوخ لسياسات هذه الدول وكبتها شعوبها». وأضافت «هذا خطأ، الرئيس وأنا نؤمن بأن رفض الحوار مع الدول قلما يعاقبها، وطالما أن الانخراط سيدفع بمصالحنا ومبادئنا، من الطائش نزعه عن الطاولة». الا أنها أبدت في الوقت نفسه واقعية ازاء أهداف الحوار باشارتها الى أنه حتى لو فشل في «تغيير تصرف النظام مقابل حوافز لقبوله في المجتمع الدولي... فإن استنفاد خيار الحوار سيساعد في اقناع حلفائنا بزيادة الضغوط» على ذلك النظام. وفي أوضح تعليق للادارة الأميركية على التطورات في ايران منذ الانتخابات أول الشهر الفائت، أشارت كلينتون «شاهدنا باعجاب الطاقة التي بعثت بها الانتخابات الايرانية قبل أن ننذهل من الأسلوب الذي انتهجته الحكومة واستخدمت فيه العنف لقمع أصوات الشعب الايراني، ومن ثما حاولت التستر على أفعالها بالقبض على مواطنين أجانب وطرد صحافيين وقطع وسائل التكنولوجيا»، وأكدت أن هذه الأفعال «بائسة وغير مقبولة». وأضافت كلينتون بلهجة تحمل كثيرا من الواقعية السياسية «نعرف ما ورثنا حول ايران... نعرف كم تقدمت في الملف النووي ونعرف أن رفض التعامل مع الجمهورية الاسلامية لم ينجح في تحويل ايران عن مسار الحصول على قنبلة نووية، أو التخفيض من دعمها للارهاب، أو تحسين معاملة مواطنيها». وأضافت «ليس للرئيس أو لدي أي أوهام حول الانخراط المباشر مع ايران، لكننا ندرك أهمية الانخراط واعطاء قيادتها الخيار بين الانضمام الى المجتمع الدولي كعضو مسؤول أو استكمال مسار الانعزال». ورأت أن «المحادثات المباشرة الوسيلة الأفضل لتوضيح هذه الخيارات... ايران يمكنها أن تكون عنصراً فاعلاً وبناء في المنطقة اذا توقفت عن تهديد جيرانها ودعم الارهاب. لكن الوقت للتحرك هو الآن. الفرصة لن تبقى مفتوحة الى ما لا نهاية».