واضح أن ما يجري في سباق الترشح للانتخابات الرئاسية المصرية يشير إلى فوضى تلف هذا التهافت نحو السلطة، ولم يعد ممكناً طرح الموضوع بصيغة التساؤل: «هي فوضى؟»، كما طرحه الراحل يوسف شاهين في آخر أفلامه، بل إن الفوضى تكاد تكون العنوان الأبرز لما يجري، والذي تنقله الشاشات، على نحو متواتر، في انتظار الوصول إلى تاريخ الاستحقاق عبر جولتين في ايار (مايو) وحزيران (يونيو) المقبلين، إذا لم تحسم النتيجة من الجولة الأولى. هذه الفوضى، هي في وجه من وجوهها، تعبير عن مناخ ديموقراطي بات يسود البلاد منذ سقوط نظام مبارك قبل أكثر من سنة، غير أن الامر يتعدى هذا التصور المتفائل، إذ يعتقد المشاهد، وهو يتابع الأخبار والتقارير عن الترشيحات على شاشات التلفزة، أنه إزاء مسرحيات هزلية، أو مشاهد تمثيلية ساخرة لطالما برع المصريون فيها من بوابة المسرح والفن السابع والدراما التلفزيونية. لكن لم يخطر على بال أحد أن الساسة، قد أتقنوا لعب الأدوار الكوميدية والتراجيدية، غير ان هذه المهارات تجري، هذه المرة، تحت قبة البرلمان وفي أروقة مكاتب الأحزاب. اتهامات بالجملة حول أهلية هذا المرشح أو ذاك، وكشف لزيف التعفف الذي أعلنه بعض التيارات لكنه سرعان ما تراجع، ونبش في أرشيف المرشحين وجنسياتهم وجنسيات والديهم، وتلويح برفض هذا المرشح أو ذاك لأنه يرمز إلى النظام البائد... أما عن التصريحات الإعلامية، واختلاف المواقف بين لحظة وأخرى فحدّث ولا حرج... وكأن الجميع في سباق محموم للوصول إلى «الكرسي» الموقر، كغاية قصوى! ينبغي ألا يعتبر هذا الكلام مساساً برموز الثورة وشبابها الذين ضحّوا في سبيل رفعة بلادهم، لكن المرشحين، وغالبيتهم من الوجوه المعروفة، يصرون على تقديم «أداء رديء» على الشاشات، إذ حولوا الفضاء التلفزيوني المفتوح إلى ساحة معارك كلامية، وإلى نافدة تكشف عيوبهم، بدلاً من أن تساهم في تلميع صورتهم. وهذا، أيضاً، يذكرنا بفيلم آخر ليوسف شاهين وهو الروائي القصير «القاهرة منوّرة بأهلها» الذي «انتهك» بعدسة المخرج الفضولية جمال «المحروسة»، وأظهر سلبياتها! واعتبر شاهين، آنذاك، «معتوهاً، يكره مصر ويسعى الى الشهرة»، فقط لأنه قال الحقيقة عارية من دون «رتوش». شاهين لم يكن يحتاج إلى مقايضة مؤلمة من هذا النوع، فهو أحب مصر ولم يشأ السكوت على ظواهرها السلبية، غير ان رؤساء المستقبل يستميتون في تقديم أمثلة بائسة، عبر هذا الكم من التنظير والتخوين والاستهداف. الأرجح أن القاهرة ستبقى منوّرة بأهلها، لكن الفضائيات ستظل مسرحاً رحباً للمماحكات والسجالات، وسيصغي المشاهدون إلى كثير من القصص والحكايات الطريفة على شاشاتها التي نجحت في رصد وقائع «الربيع العربي»، وها هي تفضح، الآن، الساعين، من دون شركاء، إلى قطف الثمار وسرقة الغنائم.