قبل كل شيء أريد أن أهنئ الشباب السعودي الذي حظي بقرار رفع الحظر عنه بدخول الأسواق التجارية، بعدما كان لا بد له من مَحرم لدخولها، لكن هذه المرة المحرم أنثى، وقد سمعت أن الفتاة مقابل نقود صارت تقبل مرافقة الشاب، متظاهرة بأنها أخته حتى تعبر به بوابة المركز التجاري ثم يفترقان، وأذكر مرة أن شاباً مراهقاً أوقفني قرب بوابة مركز تجاري، وطلب مني بتذلل أن أدخله معي. اللافت للنظر ليس هو السماح للشباب بدخول المراكز التجارية، بل تنصل المؤسسات التي كان موظفوها يطاردون الشباب ويعاقبونهم على ارتياد المراكز التجارية من أنها صاحبة قرار الحظر، ولا ندري بعد هذا التصريح ما هو شعور الشاب في قضية «مطعون العيون»، الذي حكم عليه القاضي بالجلد بتهمة وجوده في سوق عامة ترتادها النساء. الشباب بعد هذا القرار مثل سجين تم احتجازه 20 عاماً، ثم اُكتشف أن لا تهمة وجهت إليه ولا قرار بالاحتجاز صدر ضده. هكذا هي المسألة بكل بساطة، براءة. ما الذي تغيّر في الشباب حتى يسمح لهم بدخول المراكز التجارية الآن؟ هل تم تأهيلهم عبر دورات ثقافية للتعاطي مع المراكز التجارية؟ أم أن مادة أدرجت في المناهج الدراسية عن كيف تلتزم الأدب في السوق التجارية؟ الحقيقة أنه لم يحدث أي شيء من هذا، الشباب الذين مُنعوا طوال عقود من الزمن هم أنفسهم، وبعضهم تجاوز سن الحظر وأصبحت له عائلة يدخل معها ويخرج، ويتحسر على زمن عومل فيه ككائن محظور خارج نطاق الثقة. تُرى ما الذي حدث بالضبط ليصبح اليوم قرار الحظر غير صالح للسريان؟ لا شيء تقريباً سوى أن ملايين السعوديين خرجوا إلى البحرين وقطر والقاهرة وبيروت ودبي، ودخلوا الأسواق واكتشفوا أن المراكز التجارية التي تجمع بيع السلع والمقاهي والمطاعم والألعاب الكهربائية والسينما، هي المكان الوحيد المناسب لتجمع العائلات في طقس مثل طقس الخليج الحار. اكتشف السياح السعوديون أن هناك فرصة كي يجتمعوا فيها كعائلة، وأنهم مثل سائر البشر طيبون ومهذبون وعيال ناس، تمزق الوهم الذي نفخ فيه النافخون بأن الشباب كلهم - من دون استثناء - وقود سائل سريع الاشتعال وكل ما حوله نار، يجب الحذر منه بدلاً من دمجه في المجتمع، وأنه مثل نخل صغير يحتاج إلى التهذيب والتثقيف عبر مشاركة الآخرين مسؤولية المكان، بما يكفل له التعلم والتدرب لا المصادمة والإقصاء. ما إن أُعلن قرار رفع الحظر حتى نُشر خبر القبض على شاب مخمور وسط مركز تجاري، تماماً مثلما حدث حين رفع الحظر عن بيع النساء في محال الملابس الداخلية، فتم تسريب خبر القبض على بائع ملابس داخلية في خلوة مع امرأة، للتشويش على القرار وتخويف الناس من تبعاته. لكن ما حدث أن تجارة الملابس النسائية انتعشت بنسبة 30 في المئة من الأرباح، ووجدت النساء فرص عمل واستثمار في هذا المجال وصارت حكاية الحظر من الماضي. القبض على شاب مخمور في سوق تجارية يرتادها آلاف الناس ويوجد فيها رجال الأمن وتحضر إليها الشرطة في خمس دقائق ليس هو الخبر المخيف، بل المخيف حقاً هو أن هناك قرارات تغير زمانها وأصبح العمل بها ضد مصلحة الناس وضد تنميتهم، لكنها بقيت على حالها حتى أصبحت مضحكة ومحرجة لأصحابها، كل يعلن براءته منها حين تنتهي صلاحيتها. [email protected]