من المفترض أن تنتهي في سورية بعد أيام قليلة، عمليات القتل للمتظاهرين وملاحقة المعارضين وإطلاق المعتقلين وفتح البلاد أمام وصول المساعدات للمنكوبين والصحافة الأجنبية، وخصوصاً التوصل سريعاً لصيغة المراقبين الدوليين من أجل مراقبة التقيد بالنقاط الست التي باتت تلقى دعماً دولياً بالإجماع. وسير الأمور في هذا الاتجاه يعني تحولاً في طبيعة الأزمة من قتال في المدن والأرياف إلى بدء حوار داخلي بين الحكم وكل أطياف المعارضة، في ظل ضمان حرية السوريين في التعبير عن مواقفهم بالتظاهر والإضراب، وفي إطار إرساء مرحلة انتقالية تؤسس لدولة القانون ونظام حكم ديموقراطي تعددي. لكن الأيام السابقة على موعد انتهاء المهلة التي حددها كوفي أنان، في العاشر من الشهر الجاري، للحكم والمعارضة للتقيد بوقف القتال، تجعل هذا السيناريو الوردي صعب التحقيق، إن لم يكن مستبعداً بالكامل. وذلك ليس بسبب ممانعة المعارضة، خصوصاً المجلس الوطني، للتحادث مع الإدارة السورية الحالية التي ستكون ممثلة للطرف الرسمي في أي حوار محتمل، وإنما بفعل قراءة هذه الإدارة للمرحلة، ولقناعتها بأنها غير مضطرة إلى تقديم تنازلات لم تقدمها في السابق، وبأن الحل الأمني الذي اعتمدته منذ بداية الحركة الاحتجاجية هو الأمثل بالنسبة إليها. ومن المعتقد بأن إعلان دمشق موافقتها على خطة أنان جاء في إطار هذه القراءة، وليس بالتعارض معها. فهذه الموافقة تشكل نوعاً من الانحناء أمام العاصفة، بعد انضمام روسيا والصين إلى الإجماع الدولي والإقليمي في شأن مهمة الموفد الدولي - العربي. وتتيح إعادة تقوية ما كان ممكناً أن ينقطع بين دمشق وكل من موسكو وبكين في حال الرفض للخطة، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، وهذا ما تم التشديد عليه لدى إعلان الموافقة، ربط الالتزام بوقف الدعم الخارجي للمعارضة. وهذا ربط يعرف الجميع أن هدفه فقط التنصل من الخطة لدى الحاجة. ذلك أن الدعم الإقليمي والدولي للمعارضة يقع في صلب الاعتراض على ممارسات النظام، وأنه مستمر، خصوصاً في وجهه السياسي، ما دام النظام على حاله. ومن اللافت، في إطار إعلان الموافقة على خطة أنان، أنه تزامن مع إعلانات تكاد تكون منسقة عن استحالة إسقاط النظام السوري عبر الحركة الاحتجاجية الحالية، صدرت عن القيادة السياسية في دمشق وعن إيران وعن الحكومة العراقية و "حزب الله". أي أن النظام السوري الحالي يقع ضمن أولويات إقليمية يمثلها هذا التحالف، وليس مجرد مشكلة داخلية يمكن للحكم في دمشق التصرف فيها من دون الأخذ في الاعتبار للمصالح والأهداف التي يعتبرها هذا التحالف مشروعة بالنسبة إليه. وبما يعني أن مسألة امتثال الحكم السوري لالتزامات النقاط الست، وضرورات الحوار وخلاصاته، ليست مجرد قرار ذاتي لم يتخذ أصلاً. المداهمات مستمرة، ومستمر أيضاً استخدام الأسلحة الثقيلة والمدرعات وسلاح الجو، والقتل لم يتوقف. وحجة الرد على "المجموعات المسلحة" جاهزة، كما كان الحال منذ اندلاع الحركة الاحتجاجية. في مثل هذه الحال، يتجه الوضع إلى السيناريو الأسوأ، لأن ثمة تمسكاً سورياً رسمياً، مدعوماً بالتحالف الإقليمي، بالحل الأمني، ما دام أي حل آخر سيدخل تعديلاً على بنية النظام، وتالياً ثغرة كبيرة في التحالف. ويمكن توقع، في حال الفشل المرجح لإرساء بداية حل سلمي استناداً إلى خطة أنان، أن تأخذ المطالبات بالمناطق أو الممرات الآمنة وحماية المدنيين طابعا أكثر إلحاحاً وتأييداً، بما يضع البلاد فعلاً في أتون الانقسام الأهلي الكبير، وما ينطوي عليه من اقتتال. ولا يتردد كثر في اعتبار أن مثل هذا الوضع هو ما يبرر للنظام التمسك بالحل الأمني.