يجنح الإنسان، بصورة عامة، إلى احتساب سنوات عمره وفق نوعية الحياة التي يعيشها وليس وفق عدد السنوات التي أحصى مرورها على جسده وأحواله. وكثيراً ما يعبّر الأشخاص عن رغبتهم في محو سنوات من عمرهم لأسباب مختلفة، يتمثّل أبرزها في الندم على عدم الاستفادة من الوقت أو بسبب أحزان عاصروها أو انشغالات كبرى أدت بهم إلى عدم «التمتّع» بحياتهم وما إلى ذلك. يسير الكلام عن نوعية الحياة، بتفاوتات كبيرة، وتتبدّل نبرته ومحتوياته مع التنوّع في اسلوب حياة الفرد والخبرات التي عاصرها. ويثابر كثيرون على محاولة تحقيق ما يطمحون إليه حتى في أواخر العمر. ويصرّون على تحقيق ما يظنون أنه «حلم حياتهم». ولا يتردد البعض في ممارسة هواية لم يجدوا لها مكاناً في حياتهم. وتعلو الصفحة المخصصة للاحتفال ب «يوم الصحة العالمي» ضمن الموقع الإلكتروني ل «منظمة الصحة العالمية»، صورة لشيخ تجاوز الثمانين من العمر، ويمارس رياضة «القفز المرتد بالحبل» Ping Jumping التي يخشاها كثير ممن هم في ربع عمره! ويورد الموقع أن هذا الشيخ لم يجد سوى السنوات المتأخّرة من عمره لممارسة هذه الهواية التي لم يستطع أن يمارسها حين كان في ريعان الصبا وميعة الشباب! ومنذ عام 1948، يُخصّص 7 نيسان يوماً للصحة العالمية، لأنه يشير إلى تاريخ ميلاد «منظمة الصحة العالمية». وفي السنوات الأخيرة، باتت هذه المنظمة أكثر اهتماماً بالملامح الإقليمية والمحلية للنشاطات المتّصلة ب «اليوم العالمي للصحة» World Health Day، مع ملاحظة انسجامها مع الترسيمة العامة التي تختارها المنظمة للاحتفاء بيومها. ربما تصلح هذه الأشياء لإلقاء بعض الضوء على السياق الذي اختارت فيه «منظمة الصحة العالمية» أن تُكرّس 7 نيسان (إبريل) 2012 يوماً للشيخوخة شعاره «الصحة الجيّدة تُضيف حياةً إلى السنين»Good Health Adds Life to Years. إذن، إنها الشيخوخة، تزحف بشعر أبيض وأجساد متفاوتة لتصنع سمة غير مألوفة في تاريخ الإنسان! هل تبدو هذه الكلمات غريبة؟ لنسأل شاشات التلفزة التي بات مألوفاً فيها عرض وجوه لكهول يحتفظون بالكثير من الشباب في أجسادهم، بدءاً من مخضرمي السينما والسياسة وأرباب الثقافة وأعلام المجتمع، ومروراً بفضائح كهول يرفضون مغادرة نزق مراهقة مُستعادة («فضيحة روبي غيت» لبرلسكوني، ومسلسل فضائح دومينيك ستروس-كان الممتدة من فندق في نيويورك إلى شبكة دعارة في مدينة ليون، وغيرها)، ووصولاً إلى سيول مستحضرات التجميل وحقن البوتوكس وحشوات السيليكون وجراحات شد الوجه وغيرها... تطول القائمة. تمتد عبر الدول المختلفة والثقافات كافة. ولكنها دوماً توشوش بأن جيلاً (ربما إثنين) من الكهول، يتمتّعون بشيخوخة يدعمها الطب ومنجزاته المتنوّعة، إضافة الى الوعي المتزايد بإمكان ألا تكون السنوات المتأخرة من العمر، كابوساً من رعب العجز وانعدام القدرة والتحوّل الى فائض ثقيل الوطأة على الأجيال الأصغر سناً، مع توتّرات نفسية واجتماعية، يرافقها الكثير من سوء المعاملة والإساءة الى المُسنّ وإهماله، بل ممارسة العنف ضده جسدياً ونفسياً. تدعم الأرقام هذه الصورة عن شيخوخة مختلفة. إذ تشير إلى زيادة غير مسبوقة لعدد بيض الشعر عالمياً، وارتفاع مطّرد في معدلات الأعمار، خصوصاً بعد الحرب العالمية الثانية. إنه عالم فائق التناقض: يعيش على نبض الأكثر شباباً، خصوصاً عبر التقنيات الرقمية في المعلوماتية والاتصالات، ويسير بثبات نحو شيخوخة بملامح أسطورية، لا تخلو من آلام كثيرة وتميّز فائق القسوة أيضاً. * إقرأ النص الكامل في صفحة علوم وتكنولوجيا في "الحياة" يوم الأحد في 8 نيسان (ابريل)