يجب أن تكون أسنانك الأصلية لا تتجاوز أعدادها 24 سناً وضرساً، وإذا تجاوزت هذا العدد، لا بأس أن تكون مشجعاً، وإذا نقصت لكبر أو لآفة، فالأحرى بك أن تكون تابعاً لأحد التيارات المناهضة «وما أكثرها اليوم» لتحتويك، إذا توفر هذا الشرط فأنت اجتزت الاختبار الأصعب، فلننتقل إلى الشرط الثاني، وهنا يجب أن يكون لك سجل حافل بالمناهضة لكل ما هو مرتبط بمؤسسات الدولة، لا سيما الأمنية منها، ويستحسن من له تاريخ معها، أو إرث يرتبط بها، وهذا يندرج تحت برنامج «حافز» الذي يعدونه الأداة التي يمكن استخدامها، بعد هذا الشرط يستحسن أن تكون عاطلاً عن العمل، لتتشرب اليأس ما يدفع إلى تمكين إقحام الفكرة في رأسك، الآن إذا توافرت تلك الشروط كافة فأنت قاب قوسين أو أدنى من بلوغ هدفك، إذ تتم الترقية تلقائياً، وهنا عليك أن تُظهر ولاءك من خلال المواظبة على حضور أي ملتقيات أو ندوات أو لقاءات والتمسك ببعض الأفكار «التنويرية» التي تُملى عليك، مع ملاحظة أن جميعها سلمية، ومهما قيل لك خلاف ذلك، لا تصدقهم لأنهم يريدون تشويه هذا الوجه الحضاري للتغيير. الآن ننتقل إلى المرحلة العملية، وهذه تتطلب حراكاً فكرياً جباراً، فلندع العضلات والفتونة جانباً، ولنركز على شيء واحد ألا وهو كيف نظهر سلمية هذا الحراك الفكري البريء الذي لا يراد له إلا أن يكون بصورة الناصح الأمين الحريص على الدولة ومقوماتها. إذا تمكنت من اجتياز هذه الشروط، فدعني أهنئك، أصبحت انقلابياً! لوهلة تخيلت أن ما يثار حول ما يُعقد من مؤتمرات وندوات ولقاءات لا يعدو كونه حراكاً فكرياً ينسجم مع المرحلة التي يعيشها العالم، والعربي منه على وجه التحديد، وسلمت بذلك، لكن المصادفة قادتني إلى موقع ما يعرف ب«كاديمية التغيير»، الذي يرتبط بشكل أو بآخر، بالشيخ القرضاوي، ولا شعورياً وجدت نفسي أقتحم هذا العالم الذي تلقاني بالترحاب، لأفاجأ بأنه مشروع انقلاب بامتياز، وعندما أقول «مشروع انقلابي» فأنا لا أبالغ، ولا أتجنى، لأن العناوين العريضة التي يتضمنها هي الانقلاب على الأنظمة من خلال وضع استراتيجيات وخطط تمكن من زعزعة الأنظمة الحاكمة، وإشاعة الفوضى في الدول التي يتم التركيز عليها، كما أنهم يمنحون شهادات دبلوم للدارسين، وخذوا على سبيل المثال بعض ما يُطرح في تلك الأكاديمية من مقالات وأفكار: «التبعثر الفعال والتجمع السليم»، «خديعة المؤسسات»، «كيف تتعامل مع رجل القمع»، «نصائح لاستخدام وسائل اللاعنف»، «أكثر من 60 وسيلة لتطوير الثورة»، «كيفية الوقاية من الغازات المسيلة للدموع»، «سلاح خيوط العنكبوت»، «كيف يمكن أن تتطور المظاهرات إلى فعل أكثر تأثيراً»، والكثير الكثير من العناوين، التي مهما سعت تلك الأكاديمية إلى التنصل منها، فإنما هي تزيدها سقوطاً في وحل الفتنة. تُرى أي فتنة؟ لو قرأت بعض تلك العناوين بشكل عشوائي، لخلصت، ومن دون تردد، إلى أن من يقوم عليها ويغذيها ويمولها هو النظام الإيراني، فمعروف عن ذلك النظام عداؤه المعلن، وبالنسبة لي لا أشك للحظة أنه يتمنى اللحظة التي تلحق الضرر بهذه البلاد، لكن المفاجأة هي أن تكون تلك الأكاديمية تقع على بُعد مرمى حجر من بلادنا، وهذا بدوره يقودنا إلى سؤال أكثر أهمية، ما المصلحة من هكذا بؤرة؟ كنت قد تطرقت في مقالة سابقة إلى سعي دولة خليجية لتشكيل «هلال إخواني» على غرار «الهلال الشيعي»، يمتد من المغرب إلى ضفاف الخليج العربي، وكانت القراءات تشير آنذاك إلى رغبة قطرية للصعود إلى قمة المشهد السياسي في العالم العربي، والتحصل على امتيازات ما قد ينتج عن ذلك الوضع من نفوذ، بيد أن الحديث كان عن البعيد، اليوم تشهد الدوحة حراكاً لا نعلم كيف يمكن تصنيفه، لا نريد الطعن بذلك الدور، لكن نريد تفسيراً على الأقل، ويعيدني ذلك إلى حديث سابق لعزمي بشارة، الذي اتهمه بأنه أحد مهندسي فوضى «الربيع العربي»، في أحد تنظيراته عندما ادعى أنه يبدي تشاؤمه، وأن «بذور التغيير مقبلة من حيث لا يتوقع الناس»، طبعاً هذه الكلمات ليست بحاجة لمحلل سياسي أو متنبئ فلكي ليصل لها، لكن عندما تأتي على لسانه، في وقت يشهد مقر إقامته غرساً لتلك البذور التي يتوقع قدومها، علينا أيضاً أن نتساءل، لمصلحة مَنْ يجري حشد الشبان والتلاعب واستغلال ظروفهم والتلاعب بقصورهم؟ قد يبدو الحديث متشعباً جداً، لكن النقطة التي أريد الوصول إليها، أنه لا ينبغي ترك أولئك الشباب فريسة لتلك العقول المؤدلجة للتلاعب بها أكثر من ذلك، بل على الأنظمة والحكومات احتواؤها والالتفات لها مادام ذلك لا يزال متاحاً...! [email protected] @Saud_alrayes