يقدم الكاتب المغربي سعيد بنسعيد العلوي في كتابه «الايديولوجيا والحداثة، قراءات في الفكر العربي المعاصر» مقاربات لقضايا ثقافية – سياسية تشغل بال المثقفين العرب، وتطاول حال الثقافة العربية في علاقتها بالحداثة. يتناول موقع الايديولوجيا والحداثة في الفكر العربي، وحال المثقف المخزني وتحديث الدولة في المغرب، ويعرج على النقد الايديولوجي وتحديث العقل العربي، خصوصاً من خلال كتابات عبدالله العروي، ويناقش قضية الايديولوجيا والتراث، ثم يركز على موضوعين اساسيين في المرحلة الراهنة من تطور المجتمعات العربية من خلال عنوانين: الاول يتعلق بالديمقراطية والايديولوجية الديمقراطية في العالم العربي، فيما يركز الثاني على جدلية المعرفي والايديولوجي في التأليف الفلسفي العربي. صدر الكتاب عن دار «جداول» في بيروت. يتطرق العلوي الى اصناف المثقفين الذين تعرفهم الساحة العربية، في مشرقها ومغربها، فيبرز الاختلافات في تشخيص الواقع لدى كل مثقف. فالمثقف السلفي يرى ان الحال العربية السيئة تعود الى ابتعاد المسلمين والعرب عن النبع الصافي للدين، مما يجعلهم يقعون في التيه والضياع.، «ويعميهم الجهل بأمور شريعتهم فتنقفل ابواب الاجتهاد في وجوههم، ويتعسف الحكام فلا يقيمون للشورى الواجبة اعتبارا ، ويستبدون بالسلطة وينفردون بها فتكون لذلك عاقبة ضرورية وهي نزول الفساد الذي هو سبب الفوضى والركود والتأخر». اما المثقف القومي فيعيد اسباب شرور العرب الى ما اصاب البلاد العربية من تفتيت وتمزيق احدثها سيف الاحتلال العثماني المتأخر والمتخلف، ثم كرسها الاستعمار الغربي، الفرنسي والاسباني والانكليزي والايطالي. ولم يكن لهذا التفتيت ان ينجح لولا التعاون بين الاستعمار والحكام العرب الذين قبلوا باقامة دويلات عربية بترت الجسم العربي وقسمته. يعود الحنين بالكاتب الى مرحلة مضت من التاريخ العربي حين «كان العرب أمة عظيمة صانعة للحضارة ومبدعة في التاريخ البشري يوم كانت الامة دولة واحدة كبرى، واستحال العرب الى اشلاء وبقايا والى كم سالب لا يقام له اعتبار». في المقابل، يذهب المثقف التاريخاني الى رفض اعتبار الاصلاح والوحدة شرطين كافيين وضروريين لمجاوزة واقع التخلف العربي عن ركب الانسانية المتقدمة. ويرى هذا النمط من المثقفين ضرورة طرح الماضي جانباً لأن لا جدوى يمكن التماسها منه، حيث المطلوب استلهام دروس التقدم من العالم الغربي المتقدم والمتحرر»والذي استطاع ان يصفي الحساب مع الكثير من الاوهام والاخطاء بما عرفه وعاشه من ثورات سياسية واجتماعية ومعرفية واقتصادية وايديولوجية». اذا كان العلوي يركز على الاصناف الثلاثة من المثقفين، الا انه يرى اصنافاً آخرين يتناولون الواقع العربي واسباب تخلفه، حيث يعتر البعض ان اسباب الازمة تعود الى غياب العدالة الاجتماعية وانعدام التوزيع العادل للثروات، ويشدد آخرون على غياب الديموقراطية التي تراعي حقوق الاقليات الدينية والطائفية وتسمح بالمشاركة الفعلية في السلطة، فيما يذهب آخرون الى تشخيص للأزمة في كونها ناجمة عن انعدام وجود اقتصاد وطني صلب وبناء تكنولوجي متقدم يتيح تأمين الرخاء للمواطنين. تأثراً بموجة الربيع العربي، تفرض قضية «الديموقراطية والايديولوجية الديموقراطية في الخطاب العربي المعاصر» نفسها على الخطاب الثقافي العربي خلال السنتين الاخيرتين. يطرح العلوي بعض الاسئلة المتصلة بالموضوع، فيتساءل عن السبب الذي يجعل الحديث عن الديموقراطية في الوجود العربي المعاصر مختلفة عما هو سائد في العالم الغربي؟ ويكمل بالسؤال : اذا كنا نعيش اليوم في عالم ارتفع فيه شأن خطاب الديموقراطية ، فأي احكام يحق اصدارها على الانظمة السائدة اليوم في عالمنا العربي؟ الى ان يصل في تساؤله عن آفاق مستقبل الديموقراطية في العالم العربي. لقد مر الفكر العربي المعاصر، في نظرته الى الديموقراطية، بمحطات متعددة، فمن موقف شديد الايجابية تجاه الغرب مثله محمد عبده ورفاعة الطهطاوي في القرن التاسع عشرومطلع القرن العشرين، الى النقاش الذي فجره الشيخ علي عبد الرازق في كتابه «الاسلام واصول الحكم»، الى كتابات طه حسين في مصر وعلال الفاسي في المغرب، حيث تجلت النزعة الليبرالية من خلال «الجمع الضروري بين الحرية والمواطن، والحكم القادر على توفير الحرية وتأمين انتشار التعليم الاولي واجباريته». لكن حديث الديموقراطية اخترق الخطاب القومي العربي، الذي اختلطت فيه النزعات الماركسية الستالينية بالفلسفة الالمانية والاصول الاسلامية مع «اقتباس لاشعوري من انزلاقات عرقية». ويشير الكاتب الى فقرات من «الميثاق» الذي اعتمده عبدالناصر فلسفة لحكمه، فيقتبس هذه الفقرة منه :»ان الحرية السياسية أي الديموقراطية، ليست هي نقل واجهات دستورية شكلية... ان واجهة الديموقراطية المزيفة لم تكن تمثل الا ديموقراطية الرجعية ، والرجعية ليست على استعداد لان تقطع صلتها بالاستعمار او توقف تعاونها معه..لا معنى للديموقراطية السياسية او الحرية في صورتها السياسية من غير الديموقراطية الاقتصادية او الحرية في صورتها الاجتماعية». هكذا تصبح الديموقراطية الاجتماعية في الخطاب القومي العربي بديلا عن الانتخابات والحرية السياسية، مما يشرّع الغاء الاحزاب وتكميم الكلمة وتقييد حرية الرأي. يشدد بن علوي على السلبيات والعوائق التي تقف في وجه الديموقراطية، فيرى ان العائق الاول ذاتي وسيكولوجي يتصل بعملية جلد الذات، من خلال التركيز على كون ثقافتنا العربية هي ثقافة استبداد فقط او غالب. والعائق الثاني معرفي يطال ما يقوله البعض من غياب لفظة الديموقراطية من الفكر الكلامي والفلسفي العربيين، اما العائق الثالث هو «نعت عقدة الشعور بالنقص الناتج من الثقة الكاملة في الخطاب الاستعلائي او التحقيري الصادر عن جهات عدة من الغرب الاوروبي»،اما العائق الرابع فهو الناجم عن الوهم بأن الاصلاح السياسي إما أن يكون اصلاحاً فورياً شاملاً أو لا يكون. يأخذ كتاب بن سعيد العلوي راهنيته من كون القضايا التي يثيرها لا تزال تكتسب وزناً على رغم مرور سنوات على طرحها، وهو ما يعطي الكتاب أهمية في المرحلة الراهنة من النضال العربي في سبيل الديموقراطية بمداخلها المتعددة.