عندما سألت «الحياة» مساء الإثنين الماضي الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، خلال عشاء استضافته جمعية الصحافة المعتمدة في القصر الرئاسي، عن سبب تراجع تأثير الديبلوماسية الفرنسية وفاعليتها في الساحة المشتعلة، أو المعطلة في الشرق الأوسط التي أشار إليها في بداية العشاء، من غزة إلى سورية وليبيا والعراق والتعطيل في لبنان، رد قائلاً ومدافعاً: «بالنسبة إلى سورية كنا البلد الوحيد في آب (أغسطس) الماضي منذ سنة الذي اعتبر أن امتلاك نظام بشار الأسد سلاحاً كيماوياً واستخدامه يبرران رداً حازماً من الأسرة الدولية. وأنا لا أدري ماذا سيقال بعد سنتين أو ثلاث، ولكن أعرف تماماً ما سأتمكن من قوله إذا لم نجد حلاً حتى ذلك الوقت. ستبقى هي اللحظة الأصعب والأكثر ألماً في حياتي، لأنه كانت لدينا كل الشروط لمعاقبة هذا النظام والرد على ما ارتكبه. هل كان ذلك سيقلب النظام أم لا، لم يكن هو الموضوع. هل مثل هذا الرد كان لحل المشكلة الكيماوية التي وجدت حلاً؟ العملية العسكرية كانت سرّعت من هذا المسار. ولكن الواضح أننا كنا أعطينا للمعارضة المعتدلة غير المتطرفة الفرصة لتعزيز قوتها في وجه النظام. ولكن ما يحدث منذ سنة ليس فقط مجازر، ولكن أيضاً سقوط 180 ألف قتيل. إنه الصراع الأكثر إجراماً منذ الحرب العالمية الثانية. ولو حدث ذلك (الرد بالقوة) لصعب على الجهاديين أن يتغلغلوا. إذاً، كانت الديبلوماسية الفرنسية مستعدة لو أن الأممالمتحدة تبعتنا بقرار الرد بالقوة وبذلك يكون الأمر مفيداً. لم يكن مجلس الأمن مستعداً بسبب الفيتو الروسي والصيني، وكنا على رغم ذلك مستعدين للقيام بالرد المعاقب، ولكن تعرفون ما جرى لاحقاً من رفض البرلمان البريطاني، ثم توجه الإدارة الأميركية إلى الكونغرس الذي لم يقل كلمته بعدما جاء حل التخلي عن السلاح الكيماوي. أما عن لبنان فنحن البلد الأكثر تأييداً له، لأنه يتحمل عبء اللاجئين السوريين الضخم وبذلنا الجهد كي يتمكن لبنان من ضمان أمنه، وقد اتفقنا مع السعودية على تجهيز الجيش اللبناني. صحيح أن لبنان لا يزال من دون رئيس، ولكن، نحن لا نعيِّن رئيساً للبنان. بالإمكان القيام بديبلوماسية، ولكن، لسنا قوة انتداب، فهناك قوانين، والبرلمان اللبناني هو الذي يختار الرئيس. والحكومة اللبنانية موجودة، وعلي أن أقول معجزةٌ أن يتمكن لبنان من الحفاظ على وحدته وسلامة أراضيه. إلى متى؟ أتمنى أن يكون ذلك لفترة طويلة. وتلومين الديبلوماسية الفرنسية، وقد نظّمنا مؤتمراً دولياً مع الرئيس ميشال سليمان في باريس لجمع مساعدات للبنان. قد بذلنا جهداً من أجل لبنان. أما بالنسبة إلى غزة وصراع الشرق الأوسط، فلو كان بإمكان فرنسا وحدها أن توصل الأطراف إلى وقف إطلاق النار فهذا يكون المرة الأولى. وعلينا اليوم أن نعمل من أجل وقف النار. وما حصل في غزة لم يكن مرتبطاً بالبحث في موضوع الدولة الفلسطينية، بل كان الصواريخ التي أُرسلت من غزة ورد إسرائيل عليها ومقتل ثلاثة إسرائيليين شبان ثم حرق شاب فلسطيني. وقد زار وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس المنطقة للقيام بجهود لوقف إطلاق النار، مثلما توجه جون كيري لذلك، وأنا اتصلت بالأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون العائد من قطر حيث رئيس «حماس» يلجأ، كي يمارس ضغوطاً عليه، وأنا اتصلت برئيس حكومة تركيا وبأمير قطر. هناك نشاط ديبلوماسي فرنسي، وعلينا أن نعزز الجهود من أجل وقف إطلاق النار. فرنسا تتحرك كثيراً في هذه المنطقة كما تفعل في أفريقيا وبالنسبة إلى أوكرانيا. قدم هولاند صورة أرادها إيجابية عن ديبلوماسية فرنسا في المنطقة التي تراجع دورها بفعل ضعف شعبية الرئيس الفرنسي في استطلاعات الرأي العام، حيث إن 19 في المئة فقط من الشعب الفرنسي يقدّرون عمله نتيجة أزمة اقتصادية ومعيشية في فرنسا عززتها القرارات الخاطئة في بداية عهده عندما أراد فرض المزيد من الضرائب على الشعب، وفتح النار على عالم المال والأثرياء. وأيضاً بأخطاء ارتكبها هزت صورته الرئاسية عندما تم تصويره على دراجة نارية خارجاً من بيت عشيقته، ثم طريقة قطع علاقته مع صديقته السابقة فاليري تريرفايلير وإدارة محيطه العملي. فهو معروف عنه أنه لا يسلم لأحد القيام بنشاطه الإعلامي، فهو وحده يتبادل مع الصحافيين الذين يعرفهم رسائل على الهاتف النقال، وتروي صحافية فرنسية أنها ذُهلت لأنها أرسلت إليه سؤالاً على هاتفه الجوال الذي كان يحمله أثناء حملته الانتخابية وأجابها مباشرة. وهو كثيراً ما يستعمل هذه الطريقة في الاتصال مع وزرائه. تعامُل فرنسوا هولاند مختلف جداً عن أسلافه بالنسبة إلى الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، خصوصاً عن الرئيس الاشتراكي الراحل فرنسوا ميتران الذي أنقذ ياسر عرفات من لبنان أثناء الحصار السوري، وعن الرئيس جاك شيراك الذي كان مدافعاً بقوة وحزم عن القضية الفلسطينية، فهولاند يدافع عن مبادئ فرنسا الثابتة للحل وهي حل الدولتين على أساس حدود 1967 مع عاصمة في القدس. لكنه فور اندلاع الصراع بين إسرائيل وغزة دافع في بيانه عن حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها كأنه حليف لبنيامين نتانياهو. ثم منع تظاهرة مؤيدة للفلسطينيين بحجة تدخّل عناصر مشاغبة هاجمت كنساً وكسرت محال وهم مجموعة مخربين ولا علاقة لهم بالقضية الفلسطينية. ثم عاد وسمح للتظاهرة المؤيدة للفلسطينيين يوم الأربعاء، قائلاً إنه سمح لها بعد التأكد من تغيير طريقها. هولاند حذر جداً إزاء الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني والظهور بأنه، كما القيادات الفرنسية السابقة، أنصف الجانب الفلسطيني، فمنذ خطابه الأول أمام السفراء تحدث عن حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، ولكن سرعان ما تم تصحيح هذا الخطأ المناقض لمبادئ مناداة الدولة الفرنسية بالدولتين. ثم خلال زيارته إسرائيل والأراضي الفلسطينية كان شديد الحذر إلى حد أن الزيارة فقدت أي بريق في الأراضي الفلسطينية. لكن أوضاع غزة وانتقادات اليسار الفرنسي مواقف هولاند عدّلت في موقفه عندما قال إنه ينبغي بذل كل الجهود لإنهاء معاناة المدنيين في غزة. ثم تحدث وزير الخارجية لوران فابيوس في بروكسيل عن المجازر المرتكبة في غزة. وقال مساء الثلثاء إن 600 قتيل في غزة أمر غير مقبول. لقد تم تعديل الموقف العلني بعد وصف أوساط اشتراكية لهولاند بأنه مؤيد لإسرائيل في هجومها على غزة. وهولاند أعطى نفوذاً واستقلالية واسعة لوزير خارجيته لوران فابيوس في قراراته وتحركاته وتعيين السفراء والموظفين في الخارجية، ليعطي الأولوية للوضع الداخلي حيث الأزمة الاقتصادية وإدارته الرئاسة جعلاه الرئيس الأقل شعبية في فرنسا، على رغم أن شخصيته تتميز بلياقة وبروح النكتة ومعرفة الملفات. وأظهر خلال العشاء مع الصحافيين مساء الاثنين روح النكتة هذه عندما سأله أحدهم عما يبرمج له في 12 آب (أغسطس) في تلميح إلى إشاعة في فرنسا عن زواجه، أو إعلان علاقته الرسمية بالممثلة جولي غايي، فأجاب مبتسماً: «لن أخفي عليك أن 12 آب هو يوم عيد ميلادي، وأدعوك إلى الحضور لو أردت من دون هدية ولا ملبس خاص»، نافياً بنكتته هذه موضوع زواجه.