عندما ارتأت القيادات الرئيسة في قوى 14 آذار عدم اعتلاء المنبر الخطابي في التجمع الذي أقامته في قاعة «البيال» لمناسبة الذكرى السابعة لانتفاضة الاستقلال و «ثورة الأرز» إفساحاً في المجال لعدد من ممثلي هيئات المجتمع المدني للتعبير عن آرائهم، لم تُقْدِم على مثل هذه الخطوة التي جاءت متأخرة لولا شعورها بأنه آن الأوان لفتح صفحة جديدة مع المستقلين المؤيدين لها والذين يشكلون السواد الأعظم من جمهور 14 آذار. وبكلام آخر، فإن قيادات 14 آذار أرادت في هذه المناسبة تصحيح علاقتها بالمستقلين الذين يشعرون بأن هناك من يهمش دورهم ولا يلتفت إليهم إلا حين تدعو الحاجة الى تأمين الحشد الشعبي المطلوب للمهرجانات التي تدعو إليها، خصوصاً أن هيئات المجتمع المدني الداعمة لها لم تقرر الانتقال الى الضفة الأخرى المؤيدة لقوى 8 آذار بمقدار ما اختارت الاعتكاف من موقع المراقب لأداء قياداتها التي يغرق معظمها في الحرتقات وفي افتعال المعارك الوهمية التي تسيء الى وحدة موقفها السياسي. ولعل عدم إقبال المستقلين على حضور التجمع في «البيال» يكمن في أنهم قرروا، وعلى طريقتهم، «معاقبة» بعض القيادات الرئيسة في 14 آذار التي أقحمت نفسها في نفور مزمن لا مبرر له. وإلا لماذا هذا التنافس الحاد بين حزبي الكتائب و»القوات اللبنانية». والمشكلة ليست في الأمانة العامة لقوى 14 آذار وبين هذين الحزبين، وهي آلت على نفسها إثبات حضورها السياسي في بيان يصدر عنها دورياً كل أربعاء وبغياب ممثل حزب الكتائب. ومع أن الكتائب عزا انقطاعه عن حضور اجتماعات الأمانة العامة، وبالتالي تجميد عضويته فيها، الى أسباب شخصية لا تمت بصلة الى السياسة وتتعلق باعتراض على حضور القيادي الكتائبي ميشال مكتف، على رغم أن هذه المشكلة سويت بانقطاع الأخير عن المشاركة في لقاءاتها الدورية، فإنه يصر على أن يمارس سياسة مزدوجة تتمثل في حضوره للقاءات القيادية التي تعقد في «بيت الوسط» ومقاطعته لاجتماعات الأمانة العامة. كما أن انقطاع مكتف عن حضور اجتماعات الأمانة العامة لم يُصلح ذاتَ البين بين منسقها النائب السابق فارس سعيد والقيادة الكتائبية التي طالبت في وقت سابق بإحلال كتائبي محل سعيد قبل أن تقرر عدم تسمية ممثل لها في الأمانة العامة. وكان تردد أن المراسلات التي جرت بين بعض القيادات في «14 آذار» ورئيس الحكومة السابق زعيم تيار «المستقبل» سعد الحريري، جاءت على خلفية وجود مآخذ مشتركة على أداء سعيد في الأمانة العامة قبل أن يتبين أن لا صحة لكل ما يشاع على هذا الصعيد وأن العلاقة بين الأخير و «المستقبل» على أحسن ما يرام. ولم يكن القرار الأخير للأمانة العامة تشكيل لجنة من النائبين مروان حماده ورئيس «حزب الوطنيين الأحرار» دوري شمعون ورئيس «اليسار الديموقراطي» النائب السابق الياس عطا الله أوكلت إليها وضع آلية لتنفيذ الإصلاحات المطلوبة لتفعيل العمل على المستويات كافة في «14 آذار»، إلا خطوة تهدف الى تبديد أجواء النفور الدائم بين الكتائب و «القوات» من جهة، وإلى استيعاب المستقلين في اتجاه تخويلهم القيام بدور يتجاوز حضورهم المناسبات الى إشراكهم في صنع القرار السياسي. وفي هذا السياق علمت «الحياة»، أن هناك مجموعة من المقترحات تهدف الى تحسين أداء «14 آذار» وتفعيل دور المستقلين فيها من خلال إعادة النظر بالتركيبة الحالية للأمانة العامة لضمان الحضور الفاعل للمستقلين من خلال استحداث مكاتب تابعة لها، إضافة الى البحث في إنشاء هيئة عامة تكون بمثابة برلمان شعبي لمحاسبة القيادات أولاً وللتقدم بمشاريع لرفع منسوب حضور ممثلي هيئات المجتمع المدني أو الاستعاضة عنها في مجلس وطني. وأكدت مصادر مواكبة للمداولات الجارية بين أركان «14 آذار» لتفعيل دور المجتمع المدني الداعم لها ولتوجهاتها السياسية، أن سعيد ليس مسؤولاً عن تعذر الارتقاء بالأمانة العامة الى مستوى تنظيمي وتمثيلي من شأنه أن يبدد الشعور السائد لدى المستقلين بأن هناك من يصر على تهميش دورهم. ولفتت المصادر نفسها الى أن جميع الأفكار الإصلاحية تبقى حبراً على ورق ما لم يوضع حد للنفور القائم بين الكتائب والقوات، باعتبار أن المشكلة ليست في الآخرين وأن حلها لا يكون «برشوة» المستقلين من خلال السماح لممثلين عنهم باعتلاء المنبر الخطابي، وإنما بإشعارهم بدورهم في صنع القرار والإعداد له وفي استحداث مكاتب للأمانة العامة تواكب العمل اليومي سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. وقالت إن حصر الخطباء في الذكرى السابعة لانطلاقة «ثورة الأرز» بالمستقلين باستثناء تكليف النائب بطرس حرب تلاوة الوثيقة السياسية الصادرة عن قيادات 14 آذار، يعتبر خطوة ناقصة ما لم تقترن لاحقاً بمجموعة من الخطوات العملية، خصوصاً أن هذه القيادات اضطرت الى عقد اجتماعات عدة لإزالة تحفظ البعض عن أن يكون حرب الخطيب الوحيد بالنيابة عنها. وشددت المصادر على أن هناك حاجة ماسة لوضع ورقة للتفاهم بين الكتائب والقوات بمساعدة القيادات الأخرى. وقالت إن حماده وشمعون وعطا الله هم الأقدر على لعب مثل هذا الدور، لاستقلاليتهم أولاً، ولما لديهم من حرية تتيح لهم التواصل مع رئيسي الحزبين أمين الجميل وسمير جعجع. واعتبرت أن قوى 14 آذار لا تتشكل من حزب واحد، وإنما تضم مجموعة من الأحزاب والتيارات والمستقلين، وجميعهم لديهم هامش من حرية التحرك، شرط ألاّ يكون هناك تناقض في المواقف السياسية العامة تظهر هذا الطرف أو ذاك وكأنه «فاتح على حسابه» يلتزم بالبيان السياسي لقيادات 14 آذار ويمارس نقيضه في مواقفه المعلنة. ورأت المصادر أن هناك ضرورة ملحة ملقاة على عاتق القيادات لتوحيد موقفها من الحكومة، لا سيما من القضايا الكبرى المطروحة في الساحة المحلية، وسألت عن الأسباب الكامنة وراء عدم مبادرة هذه القيادات الى إصدار موقف في نهاية اجتماعاتها وكأنها تترك الأمر للأمانة العامة التي تجد نفسها محرجة وهي تتخذ المواقف من هذه القضية أو تلك بسبب التناقض القائم بين القيادات. وأكدت أن لا شيء يمنع هذا القيادي أو ذاك من الاجتهاد في موقفه تحت السقف السياسي الجامع لقوى 14 آذار بدلاً من أن يستغل من بعض القوى في الأكثرية في تظهيرها للاختلاف بين المعارضة. وقالت إن أزمة القيادات تكمن في انعدام التواصل بينها وبين جمهورها أكان من الحزبيين أو المستقلين الذين شكلوا الرافعة السياسية لها في الذكرى السنوية الأولى لانطلاق ما تسميه انتفاضة الاستقلال. ودعت المصادر بعض القيادات الى التواضع بدلاً من استمرارها في المكابرة التي لن تؤدي الى حجب الأنظار عن الخلل التنظيمي ولا عن حال الضياع السياسي التي تشكو منها هيئات في المجتمع المدني. لذلك، فإن المشكلة ليست في الأمانة العامة، وإنما تبقى أولاً وأخيراً في تبادل الحرتقات بين بعض المكونات الرئيسة في 14 آذار، أو في افتعال معارك وهمية لتبرير المبارزة غير المشروعة التي تزيد من وطأة النفور بين الكتائب والقوات. فهل ستحسن القيادات التوجه الى المستقلين من خلال إشراكهم في صنع القرار، أم انها ستتركهم في حيرة من أمرهم جراء التجاذبات التي لا علاقة لها بلعبة الأحجام. وعليه، لم يعد مقبولاً من قيادات «14 آذار» -كما تقول المصادر- أن تدير ظهرها لمسألة أساسية تتعلق بوضع حد لمسلسل الإرباك المفتعل في غالب الأحيان، والخروج منه بصيغة تنظيمية من شأنها أن تقنع المستقلين بأن دورهم أساسي وأن الحاجة إليهم لن تكون في المناسبات. من أجل الإبقاء عليهم في مدرجات «البيال» يسألون عن دورهم!