اسطنبول - رويترز - عاش الناشط الكردي الحقوقي المخضرم رديف مصطفى في ظل مجمعات الشرطة السرية السورية الضخمة التي تطل على بلدته المتداعية على الحدود مع تركيا. وحين شجت الشرطة رأس ابنه بقضيب حديدي في تظاهرة العام الماضي فر مصطفى وعائلته إلى تركيا وانضم الى «المجلس الوطني السوري» المعارض أملاً في أن تنهي الانتفاضة المستمرة منذ عام ضد حكم الرئيس بشار الأسد التمييز ضد أكبر أقلية عرقية في البلاد. غير أن آماله تبددت حين اعترض المجلس الذي يهيمن عليه الإسلاميون على اقتراح في اجتماع عقد في اسطنبول هذا الأسبوع للاعتراف بأكراد سورية ومطلبهم بالحكم الذاتي. وقال مصطفى إن «هذه شوفينية. المجتمع الدولي قلق من نشوب حرب أهلية ويطالب بأن تضمن المعارضة حقوق الأقليات». ورأى أن «القضية الكردية قنبلة موقوتة ولا يمكن أن تترك لتحسم حين يسقط الأسد». ويمثل الأكراد نحو عشرة في المئة من سكان سورية ويعارضون منذ فترة طويلة حزب «البعث» الحاكم لكنهم ابتعدوا عن التظاهرات الأخيرة الى حد كبير. وقالت «جمعية هنري جاكسون»، وهي مؤسسة بحثية مقرها بريطانيا، إنه إذا انضم الأكراد بالكامل الى محاولات إطاحة الأسد فمن الممكن أن يكون هذا عاملاً حاسماً. لكن الانقسامات الداخلية العميقة بين الأكراد وانعدام الثقة في «المجلس الوطني السوري» وغيره من جماعات المعارضة التي يهيمن عليها العرب حالت دون انضمام الأكراد الى المعركة حتى الآن الى حد بعيد. ونجح اجتماع المعارضة الذي عقد في اسطنبول في الوصول إلى اتفاق لتوسيع وإصلاح المجلس ووعد بإقامة دولة ديموقراطية وعقد مصالحة متى تتم إطاحة الأسد. لكن الأكراد انسحبوا ورفضوا توقيع الإعلان لأنه لم ترد فيه إشارة الى حقوقهم كمجموعة عرقية وإنما وعد فقط بالاعتراف بحقوق فردية للجميع. وخلافاً للعراق حيث حصل الأكراد على منطقة شبه مستقلة في الشمال، يقول زعماء أكراد سورية إنهم لا يريدون إلا نظاماً اتحادياً يضمن المواطنة وحقوق الملكية والتعليم باللغة الكردية وتوزيع الموازنة بالتساوي. ويشيرون الى توزيع الأكراد في مناطق عدة في البلاد واندماجهم في المجتمع السوري وفي سوق العمل، مما يجعل الحكم الذاتي غير عملي. ويعيش معظم أكراد سورية في الشرق حيث توجد حقول النفط في منطقة عين العرب القاحلة. ويهيمن الأكراد على أحياء كبيرة من العاصمة دمشق وحلب على بعد 45 كيلومتراً شرق الحدود مع تركيا. وقال مصطفى الذي ينتمي إلى بلدة عين العرب التي يغلب على سكانها الأكراد رغم اسمها إنه حين كان يذهب الى المدرسة لم يكن يعلم كلمة واحدة باللغة العربية وكان يتساءل لماذا لا يعلمهم المدرس كيف يكتب بالكردية. وأضاف أن مطالب الأكراد تتعلق بحق تعلم لغتهم والغناء والرقص والتعويض عن التمييز التاريخي ضدهم. وتحدث عن الأرض التي «أخذت من الأكراد ومنحت للعرب»، على حد تعبيره، بامتداد الحدود التركية في محافظة الرقة في شرق البلاد. لكن بعض المعارضين يخشون من أن تؤدي مطالب الأكراد إلى انفصال وحركة مشابهة بين جماعات عرقية أخرى. ويقولون إن إعطاء الكثير من الحرية للأكراد يمكن أن يزعج تركيا التي توجد فيها أقلية كردية كبيرة ومضطربة وأن يقوض دعم أنقرة للانتفاضة. وقال المعارض البارز نجاتي طيارة، وهو سني ليبرالي يحظى باحترام الأكراد، إن الأولوية لإسقاط الأسد. وأضاف أن هناك اتفاقاً على المبادئ الديموقراطية العامة وضمان الحقوق الوطنية للجميع تحت مظلة وحدة سورية شعباً وأرضاً. وفي وسط عين العرب، تقف مقار الشرطة السرية ونقاط المراقبة كالقلاع في تناقض واضح مع مورسيتبينار تلك البلدة التركية الجميلة على الجانب الآخر من الحدود. ويفصل بين البلدتين خط سكة حديد برلين - بغداد القديم. وفر ضباط المخابرات من المجمعات خلال الاحتجاجات التي اجتاحت المناطق الكردية من سورية العام 2004 وعادوا بعد أن اخمدت قوات الأسد الاضطرابات التي قتل خلالها 30 شخصاً. وحين اندلعت الانتفاضة على حكم الأسد في جنوب سورية، خرجت الحشود الى الشوارع في أنحاء المناطق الكردية للتنديد بالرئيس. وعزفت السلطات التي خشيت استفزاز الأكراد عن استخدام القوة القاتلة بدرجة كبيرة لإخماد الاحتجاجات في المناطق الكردية. وهناك انقسامات عميقة بين الأكراد أنفسهم بينما تساند الأحزاب الكردية الإقليمية جماعات متناحرة كما انحاز حزب كردي سوري إلى الأسد وحكومته. واتحد معظم الأحزاب السياسية الكردية تحت مظلة «المؤتمر الوطني الكردي» هذا العام لمساندة الانتفاضة والدفع بمطالب الأكراد، لكن هذا لم يترجم الى تحرك في الشوارع إذ كانت غالبية المشاركة في التظاهرات من شباب من دون انتماءات حزبية تذكر. وتدعم الحكومة الإقليمية الكردستانية في شمال العراق «المؤتمر الوطني الكردي» الذي كان الفصيل الكردي الرئيس الذي انسحب من اجتماع اسطنبول. اما الفصيل الكردي السوري الرئيس الآخر فهو «الاتحاد الديموقراطي»، ويدعمه «حزب العمال الكردستاني» التركي، وقد ابتعد عن جميع أنشطة المعارضة. واستضاف الرئيس الراحل حافظ الأسد والد بشار عبدالله اوجلان زعيم «حزب العمال الكردستاني» لخمس سنوات قبل أن يجبره التهديد بغزو تركي العام 1998 على إرسال أوجلان إلى الخارج حيث ألقى ضباط أتراك القبض عليه في نهاية المطاف وأعادوه إلى تركيا. وتعاون بشار الأسد في ما بعد مع تركيا من خلال شن حملة على «حزب العمال»، فيما تحسنت العلاقات بين البلدين بعد أن ورث الحكم من والده العام 2000. وسيمثل تجدد الدعم السوري ل «حزب العمال» خطاً أحمر آخر لتركيا التي كانت حذرت الأسد مراراً من التعامل بعنف مع الاحتجاجات وتصعيد الصراع. وتتهم المعارضة السورية «حزب الاتحاد الديموقراطي»، الوكيل السوري ل «حزب العمال الكردستاني»، بأنه بمثابة أداة للأسد ويتولى إخماد التظاهرات في المناطق الكردية ويغتال الناشطين المناهضين للأسد وأبرزهم مشعل تمو الزعيم الكردي الذي قتل العام الماضي بينما كان يسعى إلى تشكيل ائتلاف سياسي مناهض للأسد له قاعدة عريضة. وقدم الأسد تنازلات للأكراد في بدايات الانتفاضة منها مرسوم لإعطاء أكراد الجنسية التي حرموا منها نتيجة تعداد للسكان جرى في الستينات وتخفيف قوانين صعبت على الأكراد حق الملكية. ويقول ناشطون أكراد إنه لم يحصل سوى ما يقدر بنحو ستة آلاف من جملة 150 ألف كردي بلا جنسية عليها وإن معظم القواعد التي تنطوي على تمييز بما في ذلك حظر تدريس اللغة الكردية لا تزال قائمة. وزاد التوتر بين معارضي الأسد والأكراد بعد أن تعهد إعلان المعارضة المساواة بين المواطنين كافة بغض النظر عن الديانة او العرق لكنه لم يذكر الأكراد بالاسم. وقال السياسي الكردي البارز وعضو «المؤتمر الوطني الكردي» سعيديلين اسماعيل إنه مستاء من أن «المجلس الوطني السوري» بقيادة برهان غليون وهو أستاذ جامعي علماني مقيم في باريس عارض ذكر القضية الكردية. وأضاف: «لا أفهم لماذا لم يبذلوا اي جهد لكسب الشارع الكردي. الأكراد هم أول من يريدون أن يروا سقوط نظام الأسد ويطالبون بحق تقرير المصير في إطار سورية موحدة».