يستضيف لبنان وحتى غد السبت، المؤتمر الإقليمي الثاني الذي ينظمه «مركز البحوث والدراسات الاستراتيجية في الجيش اللبناني»، ومحوره «الشرق الاوسط ما بعد 2011: التحولات الجيوسياسية والاقتصادية والامنية». وشهد في افتتاحه امس في فندق «مونرو» في بيروت، وفي جلساته المفتوحة والمغلقة، سلسلة مواقف ربطت بين الامن والسلام في المنطقة، وسبل الحفاظ على الدولة المدنية وعلى الاقليات، وشددت على اهمية وضع «نظام عربي جديد وسياسات اقتصادية تساهم في توزيع الثروة، لا توزيع الفقر على الشعوب». وحضر الافتتاح رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية عمرو موسى، مدير «مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا للدراسات الإستراتيجية» الأميركي السفير جايمس لاروكو، ممثل الأمين العام لجامعة الدول العربية (نبيل العربي) الأمين العام المساعد السفير عبدالرحمن الصلح، وخبراء وباحثون. وأكد ميقاتي أن «موقف لبنان مما يجري حولنا كان واضحاً وثابتاً في احترام توق الشعوب الشقيقة الى الحرية والى اعتماد النظام الذي يحقق امانيها، من دون التدخل مطلقاً في شؤونها الداخلية، لأننا نتمنى لها ما نتمناه لوطننا من استقرار»، معلنا أنه «لن ينجح احد في استدراجنا الى تبديل موقفنا النأي بالنفس، كما لن تؤثر الضغوط التي يمكن ان تمارس علينا، سياسياً وأمنياً واقتصادياً، سواء من داخل أو من خارج، في دفعنا الى مواقف وخطوات تعرض للخطر وحدة اللبنانيين والثوابت التي ارستها مواثيق الاممالمتحدة وجامعة الدول العربية التي يعتز لبنان أنه كان من المشاركين في وضعها والملتزمين الدائمين بشرعة حقوق الانسان ومبادئ القانون الدولي». واعتبر أنه «كان بالإمكان تفادي النتائج السلبية لتحرك شعوب بعض دول المنطقة لو جرى ادراك الأبعاد الحقيقية لانتفاضة هذه الشعوب والشروع في حوار هادئ ومسؤول يفضي الى إجراءات توافقية». ولفت الى أن «التجربة اللبنانية في الحوار والاتفاق والتي طوت من خلال اتفاق الطائف سنوات من الاقتتال والتباعد والحدود المصطنعة التي رُسمت احياناً كثيرة بالدم، تشكل نموذجاً يُحتذى». وشدد على وجوب «ألاّ يغيب عن بالنا ان الهدف الأسمى الذي يجب ان تسعى اليه الدول العربية نصرة قضايانا العادلة وفي مقدمها القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في قيام دولته المستقلة وعاصمتها القدس». مرحلة انتقالية وعرض لاروكو «التحديات التي تواجهها شعوب ودول الشرق الأوسط»، لافتاً الى أن «الشعوب تعرف ما الذي ترفضه ولكنها لا تعرف ما هي عليه الآن»، معتبراً ان «الإجابة على هذه المسائل تبقى في عهدة شعوب الدول التي تمر بمرحلة انتقالية، وذلك بإبقاء زعمائهم تحت المحاسبة لتحويل هذه الأجوبة الى سياسات وبرامج»، مؤكداً ان «الفشل في أحد هذه الأمور سيقود هذا التحول التاريخي الى التعثر». ولفت الى ان «هناك فرصة غير مسبوقة للزعماء في المنطقة للتحرك الآن، من خلال معالجتهم لمطالب رئيسية، اولها الحرية من اجل السلام والأمن، لأن التوترات الإقليمية حوّلت الأنظار بعيداً من السلام الى حرب محتملة مع إيران، إضافة الى الصراع الذي يغلي في سورية، وانشغال القادة خارج المنطقة بالتحولات الاقتصادية والسياسية الخاصة بهم، بدل أن يكونوا وسطاء سلام». وأكد انه «لن يكون هناك أمن إقليمي من دون سلام شامل، ولن يكون هناك سلام شامل من دون إطار أمن إقليمي»، واعتبر «في الذكرى العاشرة لمبادرة السلام العربية التي أطلقت من بيروت، ان هذه المبادرة مازالت تشكل الطريق السوي لتحقيق الأمن الإقليمي والسلام الشامل على حد سواء». دور الجيوش العربية وتحدث السفير الصلح في كلمة الأمين العام للجامعة العربية عن «الدور الوطني للجيوش العربية، التي عليها مسؤولية صون الأوطان وتوفير الحماية لمواطنيها ومصالحهم وممتلكاتهم»، مشيداً «بالدور الهام الذي اضطلع به الجيش اللبناني في الحفاظ على استقرار لبنان وأمنه ووحدته الوطنية، ولا تزال التجربة اللبنانية سبّاقة ورائدة في مجال حماية الحقوق والحريات لجميع اللبنانيين على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم». وذكر بأن «الجامعة العربية كانت أول من حذر من خطورة الاحتقان الشعبي في المجتمعات العربية، وأكدت ضرورة القيام بالإصلاحات الضرورية التي تعالج دوافع الثورات العربية»، وطالب «سلطات الدول المعنية بعدم استخدام العنف وأساليب القمع ضد المتظاهرين، والاحتكام الى الحوار وأساليب العمل الديموقراطي». ورأى انه «في ظل التوجه نحو الديموقراطية وتعزيز الحقوق السياسية للمواطنين، من الواجب أن تعمل القوى الدينية على تبديد المخاوف، باعتبار ان فعل القيادة وتحمل المسؤولية هو من صميم الالتزام الديني والأخلاقي والإنساني». الحاجة إلى نظام عربي جديد وجدد موسى دعوته الى «نظام عربي جديد لا ينغلق على نفسه ولكن ينفتح على من حوله في حركة تستهدف قيادة عملية التنمية والديموقراطية واحترام حقوق الإنسان واقتحام مجالات العلم والتكنولوجيا بشكل يتكامل فيه العمل العربي لينشر ثقافة المعرفة والعلم وآفاق العلوم والفنون والآداب، كما لا بد من نظام أمني جديد في الشرق الأوسط، تشارك في رسمه الدول العربية تحت مظلة الجامعة ومعها مجلس التعاون الخليجي من جهة، واتحاد المغرب العربي من جهة أخرى، لتحقيق الأمن والسلام في الشرق الأوسط بما في ذلك إخلاء المنطقة كلها من الأسلحة النووية وباقي أسلحة الدمار الشامل، ويخطط لمرحلة من الأمن المشترك والمتوازي الذي يؤمن سيادة كل دول المنطقة، ويحدد التزاماتها وحقوقها بشكل متساو». وشدد على ان «قضية الشعب الفلسطيني ستظل قضية محورية، لن نسلم فيها أو نتراجع عن دعمها». وقال: «وضعنا الإقليمي أنتج أدواراً أساسية لدول إقليمية رئيسية، كتركيا وإيران، إلا أن كليهما دورهما لن يكتمل إلا بدور عربي، ومصري بصفة خاصة، وهو ما سيطرح في القريب»، ونبه الى ان «الشرق الأوسط لن يكون كما كان، ولن يخضع لمجرد سياسات تقليدية تفرض عليه، فالإنسان العربي يتغير والشعوب العربية تتغير، وآمالها تتسع وستفرض وضعاً جديداً مختلفاً». وخصصت الجلسة المغلقة لمناقشة المجموعات التي انقسم ضمنها المشاركون الى مناقشة محاور: «الإسلاميون في السلطة أبرز نتائج الربيع العربي: التداعيات على مستقبل الأقليات، الأنظمة السياسية ومستقبل الدولة المدنية»، «الجامعة العربية والمنظمات الدولية: المعايير المعتمدة في إدارة التغيرات السياسية في العالم العربي ومجالات التكامل ومستويات وأساليب مواكبة العملية السياسية وحماية المدنيين»، «العالم العربي في ضوء المتغيرات الراهنة: التداعيات على الاقتصاد والأمن الإقليميين ومستقبل الصراع العربي-الاسرائيلي»، «إمكان تعميم النموذج اللبناني على المجتمعات العربية لضمان التوازن في المشاركة السياسية». ويرتقب ان تصدر التوصيات غداً. وكان قائد الجيش اللبناني العماد جان قهوجي، عرض في كلمة اول من امس، في حفلة الاستقبال للوفود المشاركة، الأزمات التي تعصف بالمنطقة العربية، وأسف لأن يترافق نضال الشعوب في سبيل تحقيق الديموقراطية والعدالة الاجتماعية الشاملة، مع اختلاط في المفاهيم والقناعات، وسيل من الدماء وخسائر مادية هائلة، وأن تسود لغة الشطب وإلغاء الآخر وإطلاق الأحكام المسبقة على النوايا، بديلاً من لغة الانفتاح والحوار والمصالحة». وشدد على اهمية «تطوير رؤيتنا للإصلاح الديموقراطي وعلى دور الجامعة العربية في ذلك وإرفاق ذلك بجهد كبير يصب في خانة طمأنة شعوبنا الى المستقبل، وخصوصاً الأقليات». اما وزير الدفاع فايز غصن الذي مثَّل رئيس الجمهورية، فشدد على وجوب «اعادة تصويب البوصلة الى القضية المركزية، أي إلى فلسطين المغتصبة»، وأكد ان «الإصلاح لا يقوم الا على حقيقة واحدة هي أنه لا يستورد، إنما ينبع من ارادة الشعب».