تحولت زلّة لسان مشاركة في ندوة عن حقوق المرأة العربية بعد الثورات، عنواناً يصلح لوصف ما آل إليه وضع المرأة المصرية بعد ثورة يناير. قالت معترضة: «نريد تهميشاً عادلاً للمرأة في كتابة الدستور»، وكان للضيفة ما قالت، ولو على سبيل الخطأ، فللمرة الأولى منذ زمن بعيد، بات بإمكان المصرية أن تفخر بالحصول على «نصيب عادل»، اذ حازت مشاركة قائمة على مبدأ المناصفة... ولكن في «التهميش»، لتقف على قدم المساواة مع كلّ مَن لا ينتمي إلى تيار الإسلام السياسي ممثلاً في غالبيته البرلمانية، من خلال حزبي «الحرية والعدالة» الإخواني و»النور» السلفي. تبخّرت جهود الرجال والنساء الطامحة إلى تمثيل عادل للمرأة في اللجنة المختصة بكتابة دستور مصر الجديد، وتبدّدت أحلام الكثيرين في أن تستكمل المرأة المصرية مسيرة صعبة بدأتها قبل عشرات السنوات أثبتت من خلالها بالحجة والبرهان، أنها أهل للمواطنة العادلة، فبدءاً ب «إيزيس»، ومروراً ب «ثورة 1919»، وحفيداتها اللاتي أشعلن ثورة يناير، لم تكن المرأة المصرية في حاجة إلى أن تتحدث عن أهليتها للمشاركة أو القيادة السياسية. ثلاثون في المئة من البيوت المصرية تَعُولها نساء لم يسرقن فرص عمل الرجال، ولم يفرضن أنفسهن على ساحة العمل، بل عملن مكان رجالهنّ، الذين فضّل بعضهم التزام البيت أو المقهى أو ماخور إدمان المخدرات. وانعكس موقف حزبي «الحرية والعدالة» و «النور» من المرأة جلياً في عدد مرشحاتهما ونسائهما «الست» اللاتي تم اختيارهن لعضوية اللجنة التأسيسية. وجاء ذلك الإقصاء على هوى جانب من نبض الشارع، الذي اعتبر حقوق المرأة المكتسبة خلال العقود الثلاثة الماضية، ولم يجد أمامه إلاّ فتاوى نواب البرلمان من المنتمين لتيار الإسلام السياسي. لكن «تيار الإسلام النسوي» كان لهم بالمرصاد، فأستاذة العلوم السياسية في جامعة مصر الدولية، الدكتورة أماني صالح، طالبت في مؤتمر شهدته القاهرة تحت عنوان «النسوية والمنظور الإسلامي: آفاق جديدة للمعرفة والإصلاح»، ببدء الاجتهاد في هذا المجال فوراً، خصوصاً أن الفكر النسوي في الإسلام لا يختلف عن التيار الاجتهادي عموماً، وقالت: «على رغم وجود اجتهادات نسوية إسلامية سابقة، فقلما يسلّط أحد الضوء عليها، إذ إن الغالبية المطلقة من الاجتهاد الخاص بالمرأة ذكورية بحت». وأكدت صالح في المؤتمر الذي نظّمته «مؤسسة المرأة والذاكرة» بالتعاون مع «المعهد الدنماركي المصري للحوار» و«المركز الدنماركي للمعلومات عن النوع والمساواة والقضايا العرقية»، أنه على رغم الجهد المبذول في كثير من الاجتهادات، إلا أنها تحمل انحياز ذكوري يعكس الثقافة العامة. إقصاء ويبدو أن الوقت والظروف السياسية الداخلية والخارجية مهيأة تماماً لرؤية تقدمها صالح تدعو من خلالها إلى نقد النسوية الغربية التي مارست مقداراً هائلاً من السلطة والهيمنة على مدى عقود. وفي الوقت الذي تتعالى فيها صيحات القادمين الجدد إلى سدة الحكم في مصر مطالبة بإصلاح تعليم الفتيات من خلال إعادة دروس التطريز والتدبير المنزلي، وإلغاء قانون الخلع بحجة أنه ساهم في تدمير الأسرة المصرية، واستبدال صورة المرأة المرشحة للبرلمان لتكون صوت الشعب بوردة حمراء بحكم أن الأولى عورة، تطالب صالح بتحقيق المساواة بين الرجل والمرأة، ليس من المنظور الغربي بالضرورة. واعتقدت نساء مصر أن مشاركتهن في كتابة دستور مصر الجديدة ضرورة، لكن تمّ إقصاؤهن، وهو ما دفعهن إلى التنديد بذلك الإقصاء. عشرات المنظمات الحقوقية أعلنت رفضها التام لإقصاء النساء بهذا الشكل، بعد ما كانت هناك مطالبات بألاّ تقل نسبة مشاركة النساء في اللجنة عن 30 في المئة، وأحياناً 50 في المئة. وأكّد فقهاء الدستور، أن قرار تأسيس اللجنة بهذا الشكل غير دستوري، لأنه يخالف المادة 60 من الإعلان الدستوري، وأيضاً مبدأ المساواة بين المواطنين. وفي بيان شديد اللهجة صدر عن عدد كبير من المنظمات والجمعيات، جاء أن تشكيل اللجنة بهذا الشكل «سيحرم النساء وهنّ نصف المجتمع وذوات كفاءات عالية وخبرات متنوعة في مناحي الحياة كافة، من أن يشاركن مشاركة فعالة في صوغ دستور مصر الجديد. وكلّنا يعلم أن مجلسي الشعب والشورى فيهما أدنى نسبة تمثيل للنساء في العالم كله، وتبني نسبة 50 في المئة من البرلمان، لن يضمن أي مشاركة للنساء، أو هزيلة على أحسن تقدير». ووصفت المنظمات استبعاد النساء من كتابة الدستور ب «محطة أخرى في الممارسات التمييزية ضد المرأة والتي ينادي بها ويمارسها التيار الديني في البرلمان لإقصاء نصف المجتمع ومنعه من القيام بدوره في الحياة العامة. كما يعاقب نساء مصر على مشاركتهن في ثورة يناير العظيمة والحفاظ عليها». وأعلنت الجمعيات عدم قبولها هذا الإقصاء المهين، ومناضلتها جنباً إلى جنب مع جميع القوى السياسية والاجتماعية الرافضة لهذه التوجهات الديكتاتورية للانفراد بالسلطة، وكذلك للمارسات البغيضة ضد النساء والتي هي بعيدة كل البعد عن الأديان السماوية. إلاّ أن ما يخفف وطأة إقصاء المرأة عن دستور مصر الجديدة، هو أنها هذه المرة ليست الوحيدة التي تقبع في خانة الإقصاء، بل تقف على قدم المساواة مع غيرها كثيرين تمّ اقصاؤهم تماماً، وهو ما يؤكد نجاح المرأة المصرية أخيراً في الحصول على قسط عادل من التهميش.