أفدح الأخطاء الأميركية، المحتملة، إزاء العالمين العربي والإسلامي، والذي توحي المؤشرات بأن واشنطن تستعد لاقترافه، هو ذلك المتمثل بإمكان سماحها لإسرائيل بتوجيه ضربة عسكرية الى منشآت إيران النووية بدلاً من آلتها الحربية. من دون شك، لا تشكل الضربة العسكرية حلاً واقعياً للتوترات الدولية والأميركية المتفاقمة مع ايران، إياً كان شكلها والطرف الذي يقوم بتنفيذها: أميركا أو إسرائيل. فمنطقة الخليج لم تعد قادرة على تحمل أثقال مواجهات عسكرية جديدة. كما أن المساحة الجغرافية لإيران وكثافتها السكانية وإستراتيجية موقعها، قد تفتح أفقاً للفوضى في الشرق الأوسط يفوق ما أفرزته الحرب ضد العراق. مع هذا، يصح التكهّن بأن سياسة التشدد التي ينتهجها المحافظون في طهران ستنتهي الى تعريض بلادهم لضربة. ليس أكيداً أن طهران متيقّنة من هذه الحقيقة. لكن الأكيد أنها تتمناها ضربة عسكرية اسرائيلية، وليست أميركية، في حال وقعت. الأسباب في التمنّي الإيراني كثيرة، بينها: أن اسرائيل تعجز عن الحصول على شركاء في المنطقة العربية والإسلامية يساعدونها في تنفيذ الضربة أو يقدّمون لها تسهيلات لوجستية محددة. فيما الولاياتالمتحدة يمكن لها ان تجد شركاء فاعلين إذا ما تولّت هي تنفيذها. ثم، إن الولاياتالمتحدة قد تشعر بصعوبة بالغة في تنفيذ ضربة تفتقر الى سقف واسع من الموافقة الدولية نظراً إلى موقعها والتزاماتها الدولية. وما يزيد من حاجتها الى مثل هذه الموافقة أن حربها في 2003 ضد العراق افتقرت الى دعم كامل الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، ما خلق صعوبات دولية جمّة أمام واشنطن في المراحل اللاحقة. أما اسرائيل التي لم يعرف عنها أي التزام بقرارات المجتمع الدولي، ولا أي احترام للإرادات الدولية، فالأكيد أنها لن تحسب كثيراً لرأي المجتمع الدولي وموقفه. يضاف الى هذا، أن الدول الأوروبية بدورها تتوجس من دعم الضربة الإسرائيلية، ما يزيد من فرص إيران لتطويق آثار تلك الضربة ومسارها ونتائجها. الى هذا كلّه، هناك الداخل الإيراني ودرجة استعداده للتعامل مع الصيغة التي تندرج في سياقها الضربة. فمعروف أن هذا الداخل المعبأ بالآيديولوجية الإسلامية والمحصن بعشرات الأجهزة القمعية والبوليسية والاستخباراتية، قادر على امتصاص آثار أية ضربة عسكرية اسرائيلية مهما كان حجمها ومداها لأسباب ليس أقلها الديني. كما أنه قادر على استثمارها في اتجاه حشد تأييد داخلي واسع وراءه، إضافة الى استثماره في حشد تأييد عربي وإسلامي ضد إسرائيل والولاياتالمتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط . أما الضربة الأميركية، فالأرجح أنها لن تلقى الاستياء الداخلي الإيراني ذاته. بل يمكن أن تفضي الى انفجار الوضع الداخلي خصوصاً لجهة الموزاييك القومي والمذهبي والديني المعقد في إيران. لكل هذا، قد يرى المسؤولون الإيرانيون أن الضربة إذا جاءت بالفعل، فالأحسن أن تأتي من اسرائيل. يشار الى أن الرئيس العراقي المشنوق صدام حسين، واجه خلال تعرضه للضربة العسكرية الأميركية في شباط (فبراير) 1991، وضعاً مشابهاً. فالأميركيون نجحوا في حشد تحالف دولي وعربي وإسلامي لطرد قواته من الكويت بقبولهم شرطاً أشار الى ضرورة وقوف إسرائيل بعيدة من التدخل في مراحل الحرب. صدام حسين عرف باللعبة، وحاول جرّ إسرائيل الى مواجهات صاروخية وجوية عبر إطلاق عدد من الصواريخ ضد بعض مدنهم. لكن الأميركيين منعوا، في التفاتة ذكية، الإسرائيليين من أي رد فعل عسكري حرصاً على حفظ مسارات الحرب من أي تعقيدات إضافية. في كل الأحوال، جاءت تصريحات أدلى بها نائب الريس الأميركي جو بايدن، قبل أيام، لتوحي بأن واشنطن في صدد نسيان أحد أهم دروس الحرب ضد العراق في 1991 و2003. فبايدن المعروف بتعاطفه مع طروحات استخدام القوة ضد دول كانت إدارة الرئيس السابق جورج دبليو بوش تصنفها ضمن محور الشر، أوضح في تصريحاته أن بلاده غير مستعدة لمنع إسرائيل من توجيه الضربة العسكرية الى منشآت إيران النووية. في حال افترضنا أن هذه التصريحات لا تندرج ضمن حملة ضغوط سياسية أميركية هدفها تخويف إيران، وحضّ دول أخرى في المنطقة على القبول بمنطق قيام واشنطن بالضربة، فإن إدارة الرئيس باراك أوباما تكون في صدد اقتراف خطأ مدمر آخر في الشرق الأوسط. إيران تريدها ضربة اسرائيلية لتجني فوائدها السياسية. لكن الحكمة، ومصالح أميركا وإيران ودول المنطقة تقتضي، أولاً، الحوؤل دون زجّ إسرائيل في الضربة. وثانياً، الحوؤل دون وقوعها، أصلاً، حتى في حالتها الأميركية. * كاتب وسياسي كردي عراقي.