إثر إعلان الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا على تحديث شبكة الغاز الأوكرانية، انسحب الوفد الروسي من مؤتمر بروكسل احتجاجاً على استبعاد بلاده من المفاوضات. ولكن هل خسرت روسيا حرب الغاز على أوكرانيا؟ وهذه الحرب أرادت تحجيم الرئيس الاوكراني يوشينكو، وزيادة أرباح شركات النفط الروسية، والسيطرة على نظام نقل الغاز في أوكرانيا، وإظهار عجز أوكرانيا عن تحمّل مسؤوليتها، وحث الأوروبيين على الإسراع في بناء خطوط الأنابيب التي تتجنب المرور في الأراضي الأوكرانية، أي خط النفط الجنوبي والخط الشمالي. ولا شك في أن الحرب أفلحت في بلوغ هدفها الاول. ويزعم التلفزيون الروسي أنها بلغت مآربها كلها. وظهر أول مؤشر الى هزيمة الكرملين مباشرة بعد نهاية الأزمة، يوم أعلنت بلغاريا عزمها على الادعاء على «غازبروم»، والمطالبة بتعويض قدره 80 مليون يورو جراء تقصير الشركة في إمدادها بالغاز. فردّ نائب رئيس الوزراء الروسي الاول، ايغور سيتشين، بالقول إن روسيا ستقاضي أوكرانيا في المحاكم الغربية. وهذا ما لم يحصل. فاجأت المراقبين مسارعة النائب الاول لرئيس مجلس ادارة شركة «غازبروم»، الكسندر ميدفيديف، إلى بلغاريا لتسوية النزاع، وتفادي المحاكمة. واستغلّ البلغار الخطوة الروسية، ورفعوا ثمن سكوتهم إلى 250 مليون يورو. وأصيب الكرملين بهزيمة كبيرة في مؤتمر بروكسل لتحديث نظام الغاز الأوكراني. فأوروبا أدت دور «الفارس الابيض»، وأنقذت نظام نقل الغاز الأوكراني من شباك السيطرة الروسية. وعليه، جاءت نتائج الحرب على خلاف ما اشتهى بوتين. وخلفت الحرب أثراً سلبياً في مصير مشروع خط النفط الشمالي مع ألمانيا، الاثير على قلب بوتين. ووصف الكرملين هذا المشروع بالسلاح الذي ينصّب روسيا «قوة عظمى في مجال الطاقة». وتوسل الكرملين بجماعات الضغط، أو «اللوبيز»، لتذليل معوقات تنفيذ مشروع الخط. وشنّ حملة هستيرية على لاتفيا وأستونيا، انتهت إلى رفض جمهوريات البلطيق مد الأنابيب في مياهها الإقليمية. وترافقت هذه الحملة مع التلويح لبولندا وتشيكيا بالويل والثبور، وشن الحرب العسكرية على جورجيا وحرب الغاز على أوكرانيا. وعيّن ماتياس فارنيغ، وهو صديق قديم لبوتين في الاستخبارات الالمانية الشرقية السابقة («الشتازي»)، مديراً عاماً لمشروع الخط الشمالي. وبعد رفض جمهوريات البلطيق مرور خط الأنابيب في مياهها الاقليمية، لم يبق أمام الكرملين مفر من مد الخط في المياه السويدية والفنلندية. فأوكل الى رئيس الوزراء الفنلندي السابق، بافو ليبونين، ولارس غرونشتادت، رئيس أكبر البنوك السويدية السابق، الترويج للمشروع. وفوجئت الدول الاسكندنافية بالمبالغ الكبيرة التي بذلتها الحكومة الروسية، وأغدقتها على المؤسسات العلمية التي تعنى بشؤون البيئة في بحر البلطيق، وعلى الخبراء من أصحاب الدالة على الرأي العام. ولكن الرياح لم تجر على ما تشتهي موسكو. فاندلعت الأزمة المالية وبدأ الاقتصاد الروسي انهياره. وفي مثل هذه الظروف، يبدو تنفيذ المشروع، وكلفته باهظة، ضعيف الصلة بالواقع. وإذا لم ينفذ المشروع هذا، منيت روسيا بهزيمة كبيرة في حرب الغاز مع أوكرانيا. صحافية، عن موقع «يجيدنيفني جورنال» الروسي، 27/3/2009، إعداد علي شرف الدين