أعلنت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في مصر أمس أن جنازة بطريرك الأقباط البابا شنودة الثالث ستشيع من الكاتدرائية المرقسية في حي العباسية القاهري صباح غد، فيما توجه عشرات الآلاف من الأقباط إلى الكاتدرائية لإلقاء نظرة الوداع على جثمان البابا الذي وضع على الكرسي البابوي في القاعة الكبيرة في المقر. ومن المقرر أن يدفن جثمان البابا في دير وادي النطرون في الصحراء بين القاهرة والإسكندرية، بحسب وصيته، وهو الدير الذي طالما اعتكف فيه البابا الراحل تعبيراً عن احتجاجه ضد السلطة، كما كان منفاه لنحو خمس سنوات في نهاية عهد الرئيس الراحل أنور السادات. وتشارك قيادات المجلس العسكري وشيخ الأزهر أحمد الطيب ومرشد جماعة «الإخوان المسلمين» محمد بديع ومرشحون محتملون لرئاسة الجمهورية وشخصيات عامة ومسؤولون ورجال دين أجانب في الجنازة. وذكر بيان ل «الإخوان» أن وفد الجماعة الذي سيشارك في الجنازة يضم إلى جانب بديع نائب المرشد محمود عزت وعضو مكتب الإرشاد عبد الرحمن البر وعضو مجلس شورى الجماعة سيف الإسلام حسن البنا والصحافي محمد عبدالقدوس والمستشار الإعلامي للمرشد وليد شلبي. وكان آخر نشاط للبابا قبل وفاته لقاء بديع. وتوافد على مصر أمس أساقفة الخارج للمشاركة في الجنازة. وعُلم أن رئيس المجلس العسكري المشير حسين طنطاوي ونائبه الفريق سامي عنان زارا الكنيسة أمس للعزاء في وفاة البابا، لكن لم يتسن التأكد من حضورهما مراسم تشييع الجنازة. وتلقى طنطاوي برقيات عزاء من رؤساء وزعماء دول عدة للتعزية في وفاة البابا، وفتحت السفارات المصرية في الخارج سجلات لتلقي العزاء، وأقامت جاليات مصرية في دول عدة قداديس لتأبين البابا وستستقبل الكنيسة العزاء الأربعاء. وعقد المجمع المقدس، أعلى هيئة في الكنيسة، اجتماعاً أمس استمر بضع ساعات ناقش خلاله ترتيبات جنازة البابا ومراسم الدفن وموضوع خلافة البابا. وقالت وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية إن البابا الجديد سيتم اختياره وفق لائحة عام 1957 المثيرة للجدل، وأن المجمع المقدس لم يغيرها في اجتماعه. وكان قساوسة وعلمانيون أقباط طلبوا تغيير اللائحة لكن البابا شنودة رفض. وتنص اللائحة على ضرورة أن يكون المرشح راهباً أو أسقفاً عاماً تجاوز الأربعين من العمر وقضى 15 عاماً في الرهبنة ويجوز أن يرشح نفسه أو يرشحه آخرون بشرط ألا يكون مطراناً مسؤولاً عن منطقة. ولا تمنح اللائحة لعموم الأقباط الحق في انتخاب البابا، بل لأعيان الأقباط. وتجرى بعد ذلك قرعة بين المراكز الثلاثة الأولى بعد صلوات خاصة ثم يتقدم أصغر طفل ويسحب ورقة فيها اسم البطريرك الرقم 118 من بين الأسماء الثلاثة. وتولى أسقف البحيرة الأنبا باخوميوس منصب قائم مقام البابا إلى حين انتخاب بابا جديد. وهو الأكبر سناً بين أعضاء المجمع المقدس بعد أسقف أسيوط الأنبا ميخائيل الذي اعتذر عن عدم تولي المنصب لأسباب صحية. ولن تبدأ إجراءات الانتخاب إلا بعد مرور 40 يوماً على وفاة البابا. وصدق طنطاوي على منح الأقباط أجازة رسمية لمدة ثلاثة أيام لإلقاء نظرة الوداع على جثمان البابا، فيما أعلنت الكنيسة وبعض الهيئات والمؤسسات الحزبية حال الحداد. وأُلبس جثمان البابا الملابس الكهنوتية ووضع على الكرسي البابوي، مرتدياً زي الأعياد والتاج البابوي، ممسكاً بعصا الرعاية. وازدحم عشرات الآلاف أمام مقر الكاتدرائية المرقسية لإلقاء نظرة الوداع على جثمان البابا، وتواجدت وحدات من الجيش لتنظيم صفوف الحشد. وضجت القاعة الكبيرة في الكاتدرائية ببكاء الآلاف الذين اصطفوا في طوابير طويلة تمر أمام الجثمان لتوديعه. وإزاء تزايد حالات الإغماء خارج الكاتدرائية نتيجة الزحام دفعت وزارة الصحة بعشرات من سيارات الإسعاف لخدمة الحشد. وأقيم القداس الأول على روح البابا صباح أمس وترأس الصلاة فيه قائمقام البابا الأنبا باخوميوس في حضور أساقفة المجمع المقدس. ونعى المجلس العسكري الحاكم البابا شنودة. وقال في بيان: «فقدت مصر والعالم بمسلميه ومسيحييه رجل دولة من الطراز النادر، عمل بكل طاقاته على ترسيخ القيم المسيحية السمحة وأعلى مصلحة الوطن فوق كل اعتبار». وأضاف: «ينعي المشير حسين طنطاوي والفريق سامي عنان وأعضاء المجلس الأعلى وقادة وضباط وصف وجنود القوات المسلحة، للشعب المصري بخالص العزاء وبالغ الحزن والأسى البابا الأنبا شنودة الثالث، أحد الرموز الوطنية المصرية التي تفانت في العطاء من أجل هذا الوطن وسعيه الدائم للحفاظ على وحدة النسيج الوطني». ونعى المرشحون المحتملون للرئاسة عبدالمنعم أبو الفتوح وحازم صلاح أبو إسماعيل وحمدين صباحي ومحمد سليم العوا وعمرو موسى ومنصور حسن وأحمد شفيق، البابا شنودة، كما نعاه شيخ الأزهر الذي قال إن «مصر فقدت أحد رجالها المعدودين في ظروف دقيقة تحتاج فيها إلى حكمة الحكماء وخبرتهم وصفاء أذهانهم». وأضاف أن «الأزهر إن كان يشعر بخسارة كبيرة وفادحة بفقد قداسته، فإنه يأمل أن يقيد الله لمصر والأخوة من الأقباط من يحمل رسالة قداسته بما يعود على مصر بمزيد من المحبة والمودة والإخوة والسلام». من جهة أخرى (أ ف ب) عبرت واشنطن عن «حزنها» لوفاة البابا شنودة، مؤكدة أنه كان «مدافعاً عن التسامح والحوار الديني». وقال الرئيس الأميركي باراك أوباما في بيان إنه وزوجته ميشال «حزينان لتلقي نبأ وفاة بابا الأقباط شنودة الثالث»، معتبراً أنه «زعيم محبوب لمسيحيي مصر الأقباط ومدافع عن التسامح والحوار الديني». وأضاف: «نقف إلى جانب المسيحيين الأقباط والمصريين في تكريمهم لمساهماته في دعم السلام والتعاون». وأكد أنه يستذكر البابا شنودة «رجلاً صاحب إيمان عميق وزعيماً لدين عظيم، وداعية للوحدة والمصالحة»، معتبراً أن «التزامه بوحدة مصر الوطنية يشكل شهادة على ما يمكن أن يحققه الناس من كل الديانات والأطياف عندما يعملون معاً». من جهتها، عبرت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون عن «تعازيها الحارة» للشعب المصري. وقالت: «تقديراً لحياته وإرثه، نؤكد من جديد دعمنا لإرساء السلام والرخاء في مصر». وأضافت أن «قلوبنا وصلواتنا مع الشعب المصري وكل الذين حزنوا لوفاة البابا شنودة الثالث».