من «المارد العربي» إلى «الحلم العربي» وأخيراً «الكابوس العربي»، حطت سفينة أحلام الشعوب العربية الطامحة إلى شاشة موحدة منزهة عن المصالح على شاطئ الواقع التلفزيوني الأليم. ملايين العرب تعلموا في المدارس أن «الوطن العربي» أرض واحدة وتاريخ واحد وينتظره مستقبل واحد. ومن لم يذهبوا إلى المدرسة سمعوا عبر المذياع أو شاهدوا عبر التلفزيون المحلي في دولهم المعلومة ذاتها. وبعيداً من الحفظ والسمع والمشاهدة، لم يتسن للمواطن أن يرى هذا التوحد العربي منعكساً على شاشة التلفزيون. صحيح أن التلفزيون المصري، بمسلسلاته وأفلامه وبرامجه وفنانيه، نجح في جذب المشاهد العربي، لكنه كان جذباً غير موجه إليهم، أو بمعنى آخر، نظراً الى ظروف المنطقة العربية في ستينات القرن العشرين وسبعيناته، كان وضع مصر في المنطقة يفرض نفسه على الساحة. وقتها، اعتبر المشاهد العربي الفيلم والمسلسل وبعض البرامج التلفزيونية المصرية بمثابة قناة تلفزيونية لكل العرب. صحيح أن المنتج التلفزيوني المصري الصادر لم يكن موجهاً توجهاً إستراتيجيا أو سياسياً -على الأقل بطريقة مباشرة-، إلا أن الدول العربية تأثرت سياسياً وفكرياً وفنياً بالمحتوى، باعتباره محتوى قومياً. ومع ظهور الإخباريات في عصر الفضائيات، والتي قدمت نفسها باعتبارها قنوات عربية، ظن المشاهدون أن حلم الوحدة تحقق، وأنهم بصدد مشاهدة قناة عربية تحقق ما حفظوه في المدرسة. زهوة البداية العربية الإخبارية الموحدة لم تدم طويلاً، إذ سرعان ما بدأت ملكية تلك القنوات تلقي بظلال رأس المال الوثيق الصلة بالمصالح على توجهاتها، إن لم يكن فعلياً فمن خلال تحليلات بعضهم وآرائهم. وهكذا، توافرت عوامل إنجاح قناة عربية إخبارية، فالمنطقة العربية أكثر مناطق العالم خصوبة خبرية، ومن البديهي أن يكون ذلك الحراك المصائبي والزخم الكارثي مصدر رزق وباب عمل تلفزيوني متفرد يضمن النجاح لقناة إخبارية عربية. لكنّ رياح المصائب دائماً تأتي بما لا تشتهي أحلام الشعوب. وإذا كانت الشعوب تحلم ببرامج وفقرات ودراما وأغان تثبت لها بالحجة والبرهان أنها تعيش في وطن واحد وليس في دويلات، وأن السياسات الداخلية والخارجية تدق على الوتر ذاته وليس على أوتار عدة، إلا أنه سرعان ما اتضح أن نموذج «الحرة» لا يمكن إلا أن يكون أميركياً موجهاً إلى المنطقة، بل أن أميركا وجدت أن مصالحها تستدعي «حرات» متخصصة إلى مناطق بعينها، وأن «فرانس 24» و «روسيا اليوم» و «بي بي سي العربية» بمقدار ما هي مهنية وجذابة ومبهرة، تظل قنوات غير عربية موجهة إلى المنطقة العربية. كما لا يمكن تجاهل توجهات سياسات تلك الدول تجاه المنطقة، وتجاه كل من دولها، وانعكاس ذلك على نبرة التغطيات والتحليلات. واتضح كذلك أن قريناتها المملوكة عربياً، بمقدار مهنيتها وتواجدها في موقع الحدث، إلا أنها تتبع مبدأ «نغطي الأحداث أينما كانت باستثناء هنا»! هذا المبدأ كشف عن نفسه من دون رتوش خلال عام الربيع العربي في شكل لا يدع مجالاً للإنكار أو التبرير، فهل القومية العربية التلفزيونية بالفعل ضرب من خيال؟