لم يكن هناك سيدا للموقف في الأيام الإثنى عشر الماضية سوى جهاز "الريموت كونترول" الذي ينقل المشاهد العربي من شاشة إلى آخرى لمتابعة أحداث غزة . وفي المشهد التلفزيوني العربي، كان هناك 3 توجهات إخبارية ترصد متغيرات الحرب في غزة سياسيا، ميدانيا واجتماعيا. فرغم تشابه المشهد التلفزيوني وما تلتقطه الكاميرا من أعداد الشهداء وتداعي البنى التحتية، الا أن اللغة الإخبارية بين القنوات الثلاثة : العربية، الجزيرة والمنار ، تختلف بحسب هوية رأسمالها السياسي. عندما بدأ الغزو البري لغزة، كانت البيانات العسكرية لفصائل المقاومة الفلسطينية تبث أولا على "العربية" و"المنار" قبل "الجزيرة" بمتوسط زمني يعادل خمس دقائق. مراقبون إعلاميون يقولون أن الجزيرة تفوقت في تغطية الخبر السياسي وأخفقت ميدانيا، في حين تفوقت العربية ميدانيا مقابل عدم رضى الكثير عن تغطيتها السياسية . وما بين التيارين الإعلاميين كان المشاهد العربي يتنقل هنا وهناك مضيفا إلى قائمة خياراته التلفزيونية قناة المنار التي لا يخضع إعلامها للشروط الموضوعية. في التغطية الميدانية للغزو البري، كانت "الجزيرة" تميل إلى الأراء أكثر من المعلومات، في حين كان نهج العربية على المعلومة في الميدان، لذلك كان يتم بث بيانات المقاومة كجزء من سير أعمال الميدان، دون اشتراط الحصول على رأي من الطرف الإسرائيلي الآخر للتعليق على المعلومة، وحتى لا يتم التأخر في بث المعلومة. وبالإمكان إعتبار ضيوف القناة ضمن توجهاتها، حيث آلية اعتماد الضيوف وقوتهم النوعية أحدى وسائل توجيه الخبر إلى القصد السياسي المطلوب ، كما حدث مع "العربية"التي كثفت من حضور الشخصيات المصرية في بدايات الهجوم على غزة. ومن جهة أخرى، من المتوقع أن الحرب الأخيزة تزيد من عزل المنطقة العربية إخباريا عن العالم ، حيث بدأ موقع youtube.com يحذف بعض المشاهد التي بثتها الحكومة الإسرائيلية والتي تظهر فيها كيفية قصف بعض المواقع الفلسطينية ، مما يعني أن الموقع ذاته سوف يفرض ذات الشروط على المحتوى الفلسطيني القاسي والذي لم يشاهده الراي العام الأمريكي بعد عبر قنواته هناك . فهل سيقوم الموقع ببث صور الاطفال القتلى؟ إذا تم المنع، فإن موجة من العدوى سوف تسرى في المواقع الأخرى لتتبع آلية العزل الإخباري لأسبابه واهية منها " قساوة المشاهد ووحشيتها والتي قد تؤثر على نفسية مستخدم الموقع". ومن جهة أخرى يرى خبراء في الإعلام أن الحرب على غزة كشفت ضعف خطاب حماس الإعلامي من خلال قياديها والناطق باسمها ، حيث تم اعتماد الإنشائية والتعبيرية في الخطابات والبيانات السياسية ، مقابل غياب كامل للحقائق والمعلومات والتهديدات المباشرة، كما أنهم الجهاز الإعلامي الحمساوي ينمتي إلى مدرسة الخطب الدينية الكلاسيكية وهو ما يتعارض مع تطور اللغة الإخبارية المستخدمة في القنوات الإخبارية العالمية والعربية .