يتجه التونسيون إلى انتخابات برلمانية ورئاسية في الخريف المقبل وسط تصاعد الخطر الإرهابي الذي يُعتبر حديث العهد قياساً على نظيره في كل من الجزائر ومصر، على سبيل المثال. ولم تعرف تونس قبل الثورة التي أطاحت الرئيس السابق زين العابدين بن علي عمليات إرهابية لافتة، عدا محاولة تفجير كنيس «الغريبة» في جزيرة جربة التي نفذها شخص واحد، وعملية سليمان جنوب العاصمة تونس حيث طوق الجيش معسكراً للتدريب أقامته جماعة سلفية متشددة تسللت من الجزائر، فاعتقل غالبية عناصرها وقضى على زعيمها أسعد ساسي. أما في السنتين الأخيرتين فأبصرت هذه الظاهرة انعطافاً خطراً مع اغتيال معارضين بارزين، لكن الأخطر كان الهجوم على مركز عسكري متقدم في جبل الشعانبي في ساعة الإفطار، ما أدى إلى مقتل ثمانية جنود، وتكررت العملية بعنف أعلى في الأيام الأخيرة وفي التوقيت نفسه مودية بحياة خمسة عشر عسكرياً، ما اعتبر أكبر خسارة يتكبدها الجيش التونسي منذ إنشائه في 1956. صحيح أن الإرهاب في تونس ما زال جنينياً ومحدوداً، إذ لم تسجل عمليات تفجير بواسطة سيارات مفخخة ولا في أماكن عامة، كما لم تُستهدف أية مؤسسة من مؤسسات الدولة. غير أن الظاهرة تنمو بنسق سريع مستفيدة من أوضاع الفوضى السائدة في ليبيا المجاورة، والتي باتت المصدر الرئيسي لتسليح الجماعات التونسية، وأبرزها «أنصار الشريعة». ويمكن القول إن العملية الأخيرة التي استهدفت خمسة عشر عسكرياً كرست إجماعاً غير مسبوق على اعتبار التنظيمات الإرهابية أكبر خطر يُهدد تجربة الانتقال الديموقراطي اليافعة. وأشار أكاديميون وخبراء مختصون في الحركات السلفية إلى أن «أنصار الشريعة» وأخواتها استفادت من سياسة غض الطرف التي انتهجتها حركة «النهضة» الأصولية مع السلفيين لدى تسلمها الحكم في أعقاب انتخابات 23 تشرين الأول (أكتوبر) 2011، إذ أشاد رئيس الحركة السيد راشد الغنوشي بالسلفيين معتبراً إياهم «أبناءنا»، وقال إنهم يُذكرونه بشبابه، فيما أكد وزير من «النهضة» أن التدريبات التي كانوا يقومون بها «ليست سوى تمرينات رياضية»، قبل أن تصنفهم حكومة «الترويكا» التي كانت تقودها النهضة «إرهابيين» في أعقاب تنفيذ سلسلة العمليات الأخيرة، خصوصاً الهجوم على السفارة والمدرسة الأميركيتين في ضواحي العاصمة تونس. وفي سياق التقارب مع السلفيين أطلقت وزارة الشؤون الدينية أيادي «أئمتهم» ليقودوا المساجد ومنحت الداخلية إجازات لجمعياتهم كي تجمع «التبرعات» من الداخل والخارج. وكشفت النقابات الأمنية أن أعداداً غير معروفة من السلفيين تم انتدابها في أسلاك أمنية مختلفة، خلال فترة تولي القيادي «النهضوي» على العريض حقيبة الداخلية، اتضح لاحقاً أنها اخترقت الأجهزة الأمنية وبات البعض منها صلة الوصل بين السلفيين المحبوسين في سجن «المرناقية» وزملائهم في الخارج. وعزا محللون دعم «النهضة» السلفيين لدى وجودها في الحكم، واستقبال السيد الغنوشي زعيمهم سيف الله بن حسين، وهو أحد العائدين من أفغانستان، إلى أن للحركتين خصماً مشتركاً هو الليبراليون واليساريون. ولعل ما حمل على هذا الاعتقاد أن «النهضة» كثيراً ما استخدمت السلفيين مخلباً لضرب خصومها من أحزاب المعارضة كانوا أم من اتحاد العمال. وفي المُحصلة يعتقد الشارع التونسي أنه لولا دعمها لما توسع جسم السلفية العنيفة بالمقدار الذي وصل إليه اليوم. ولوحظ في الندوات التلفزيونية التي بثت في أعقاب العملية الإرهابية الأخيرة، تركيز خاص على مصادر تمويل الجماعات السلفية المتشددة بصفتها وقود التجنيد والتدريب وتنفيذ العمليات، من دون تقديم معلومات دقيقة عن حجم هذا التمويل. وعلى هذا الأساس توقع محللون أن تكون إحدى نتائج الضربات الموجهة للجيش، والتي أثارت تضامناً واسعاً مع المؤسستين العسكرية والأمنية، تراجع التأييد الذي حصدته «النهضة» في الانتخابات الماضية، من باب معاقبتها على تحالفها مع السلفيين. وشكل إخراج «النهضة» من الحكم مع حزبين صغيرين مؤيدين لها أواخر العام الماضي تحت ضغط الشارع، ضربة قوية لشعبية الحركة التي فازت بالمرتبة الأولى في الانتخابات الأخيرة. إلا أن تفجر الغضب الشعبي من العملية الإرهابية الأخيرة سيزيد من تراجعها بعد تحميلها مسؤولية غض الطرف عن تمويل الجماعات وتوسيع خلاياها في جميع المحافظات. * أكاديمي تونسي