على رغم أن القانون يعتبره منذ سنوات عملاً غير مشروع، إلا أن شرائح من البريطانيين لا تزال حتى اليوم تطبّق شيئاً شبيهاً بنظرية العقيد الليبي الراحل معمر القذافي: البيت لساكنه. فما أن يصير بناء ما فارغاً من ساكنيه، حتى تزحف عليه جموع من المواطنين - الذين لا يملكون في العادة مسكناً خاصاً بهم - ويقطنون فيه ... إلى أن يرفع عليهم أصحاب البناء المهجور دعوى قضائية لإرغامهم على إخلائه، وهو أمر قد يستغرق تنفيذه أحياناً شهوراً طويلة. يُطلق على هؤلاء اسم «squatters» أو ساكني العقارات من دون وجه حق («تسلبط» أو «تشبيح» بالعامية المشرقية). معظم سكان حي مورنينغتون كريسنت في ضاحية ريجينت بارك الراقية في لندن ليسوا على الأرجح فقراء ولا حتى متوسطي الحال. فالشقة في حيهم تكلّف مئات آلاف الجنيهات الإسترلينية إن لم يكن ملايين الجنيهات، وفق حجم الشقة ومدى قربها من، أو إشرافها على، حديقة ريجينت إحدى أشهر الحدائق العامة في العاصمة البريطانية. لكن «قاطني» عقار واحد في هذا الحي لا تنطبق نعمة الثراء عليهم. إنهم مجموعة تضم حوالى 20 شخصاً بينهم امرأة حامل في شهرها السادس، يقطنون بناء مهجوراً كان يضم حانة «ذا فيكتوريا». أقفل أصحاب الحانة أبوابها نتيجة تكبّدهم خسائر مادية تُقدّر ب 50 ألف جنيه سنوياً، وباعوا العقار إلى شركة قررت تحويله إلى 7 شقق سكنية. لكن ما بين بيع العقار وانتقاله إلى أيدي مالكيه الجدد، رأى ال «سكواترز» فرصة سانحة، فزحفوا على العقار «الفارغ» وباتوا من ساكنيه. حصل هذا الأمر قبل سنة، وسكان العقار لا يزالون فيه، وسط جدال قانوني يتعلّق بطريقة طردهم منه. «إنها سنة في الجحيم»، كما يقول سكان من هذا الحي الثري، مشيرين إلى الحفلات الصاخبة التي دأب «السكواترز» على إقامتها في عقارهم الجديد، وإلى كمية النفايات التي تنتج منهم. ويوضح ويليام كوري الذي يعيش في العقار المجاور للحانة المهجورة: «لقد كانت سنة في الجحيم. ما أن تخلي مجموعة (من القاطنين غير الشرعيين) حتى تحلّ أخرى مكانهم. لقد أرعبوني وأرعبوا عائلتي». ويضيف: «الحكومة في حاجة إلى أن تغيّر القانون بحيث يصير غير قانوني أن تعيش من دون وجه حق في عقار تجاري. القاطنون من دون وجه حق ليسوا مشكلة إلى أن يصيروا جيرانك، وهذا ما جعل حياتي بائسة وشقية». أما إيلسا غايتهاوس التي تسكن بالقرب من الحانة، فقالت بدورها لصحيفة «ستاندرد» اللندنية: «لا يجب أن يشعروا (أي القاطنين من دون وجه حق) أن في إمكانهم أن يكونوا هنا. ليس جيداً بالنسبة إلى هذه المنطقة». قد يرى بعضهم في مثل هذا الكلام تمييزاً طبقياً نظراً إلى أن غالبية سكان الحي من الميسورين بينما القاطنون في الحانة مجموعة من الفقراء الذين لا منزل لهم، علماً أنهم ليسوا جميعاً بريطانيين بل بينهم إسبان وبرتغاليون ورومانيون يجمع بينهم العوز. وتقول لويزا الحامل في شهرها السادس والتي تعيش في الحانة مع صديقها باولو: «إننا ننتظر في شكل يائس الحصول على منزل في شكل طارئ (على حساب الدولة) لكننا لم نتمكن من ذلك بعد. هذا (بالطبع) ليس مكاناً جيداً لإنجاب طفل». والمجموعة الحالية من القاطنين غير الشرعيين هي الثالثة التي تسكن الحانة، وكان من المقرر أن تخلي الشرطة المكان بناء على أمر من المجلس البلدي في 4 تموز (يوليو)، لكنها لم تنفّذ العملية بعدما اكتشفت العدد الكبير من القاطنين في الحانة، ما يتطلّب تعزيزات أمنية لضمان تنفيذ المهمة بسلام، خصوصاً إذا ما أصرّ هؤلاء على عدم الخروج. وغيّرت بريطانيا في العام 2012 القانون الخاص بالسكن من دون وجه حق، وجعلت من غير المشروع على أحد أن يقطن عقاراً سكنياً من دون أن يكون مستأجراً شرعياً أو حاصلاً على إذن من صاحبه، ما أدى إلى استهداف متزايد للعقارات التجارية - عوضاً عن السكنية - بالاحتلال. ويعرّف القانون ال «سكواترز» بأنهم أولئك الأشخاص الذين يعيشون في عقار فارغ أو مهجور من دون أن يكون ملكاً لهم ومن دون الحصول على إذن صاحبه. وقد تفشّت هذه الظاهرة في ستينات القرن الماضي وسبعيناته، إذ لجأ ناشطون شبان إلى غزو العقارات الفارغة للإقامة فيها في إطار مشاركتهم في احتجاجات سياسية أو لمجرّد اختبار طريقة حياة جديدة. لكن هذا النوع من ال «سكواترز» بدأ الآن في الاضمحلال وحلّ محله نوع جديد: إنهم المواطنون المشرّدون الذين يعيشون في الحدائق العامة وعلى نواصي الطرق من دون أن يكون في استطاعتهم الحصول على مسكن. ووفق دراسة للجمعية الخيرية «كرايسس» فإن 39 في المئة من الناس المشرّدين الذين يعيشون في الشوارع جربوا في وقت من الأوقات طريقة العيش بأسلوب ال «سكواترز» - أي الإقامة في عقار بطريقة غير مشروعة. كما أن هناك نوعاً آخر من ال «سكواترز» يختلف جذرياً عن الصنفين السابقين: إنهم الناشطون الذين يهتمون بالمحافظة على المباني القديمة، إذ يحتلونها لمنع تحويلها إلى مبانٍ حديثة، لكنهم قلة قليلة. وتفيد تقديرات رسمية أصدرتها الحكومة أن هناك 20 ألف شخص يعيشون حالياً على طريقة ال «سكواترز»، على رغم أن جماعات مختصة بهذه الظاهرة تقول إن الرقم الحقيقي لا بدّ أن يكون أعلى بكثير من الرسمي. وتشير جميعة «سكاواش» التي تعنى بتأمين بيوت لل «سكواترز» إلى أن لائحة الأشخاص الذين ينتظرون الحصول على مقر سكن توفره المجالس البلدية في بريطانيا تبلغ حالياً 5 ملايين شخص (ضعف الرقم الذي كان في العام 1997)، في حين أن عدد المنازل الفارغة في بريطانيا هو بحدود 650 ألف عقار، ما يعني أن كثيرين من الذين لا تستطيع المجالس البلدية تأمين منازل لهم ربما يُدفعون إلى التفكير باللجوء إلى أسلوب الإقامة في عقار من دون وجه حق. ويستغل ال «سكواترز» ثغرة في القانون البريطاني تمنحهم «حقوقاً» في نظرهم. فمنذ العام 1977 بات محظوراً بالقانون أن يتم التهديد باستخدام القوة أو استخدامها فعلاً بهدف دخول عقار ما في حال كان المقيمون في داخله يرفضون السماح للشخص الواقف خارجه بالدخول. وقد سنّ هذا القانون بهدف منع أصحاب العقارات من استخدام القوة لطرد المستأجرين منه، وهو الأمر الذي يستغله حالياً ال «سكواترز» للتصدّي لأصحاب العقارات التي يشغلونها والذين يريدون أن يسترجعوها منهم. ولم يعد في إمكان هؤلاء كي يسترجعوا عقاراتهم سوى الحصول على إذن من محكمة مدنية بعد الشكوى من أن أشخاصاً يعيشون في عقارهم من دون وجه حق. وعلى رغم أن المحاكم تُصدر عادة أمر الإخلاء لمصلحة أصحاب العقار، إلا أن عملية رفع الدعوى ومتابعتها تستغرق وقتاً، وتكون أحياناً مكلفة على الشاكي.