55 ألف متضرر جراء فيضانات في السنغال    ثمن السياسات الخاطئة.. وغياب التخطيط ومراعاة التوازنات المطلوبة    الاتفاق أمام مطب العروبة.. والفتح والخلود «صراع مؤخرة»    العليان يودع حياة العزوبية    6 ميداليات ذهبية وفضية حصدها طلبة وطالبات السعودية في «أنوفا للاختراعات»    مسابقة خادم الحرمين لحفظ القرآن في موريتانيا تنظم حفلها الختامي    مشهورة «سوشال ميديا»: هكذا نجوت من السرطان!    أدلة طبية: الغذاء الصحي يقلل تحول سرطان البروستاتا    5 نصائح للتخلص من خجل الطفل    الاتحاد يتغلّب على القادسية بثلاثية في دوري روشن للمحترفين    ملتقي لتوطين قطاع الطاقة وتعزيز الريادة العالمية للمملكة    القدية للاستثمار تطلق برنامج صُنّاع الّلُعب التدريبية    الإعلامي البرتغالي «جواو» ل«البلاد»: دوري روشن السادس عالمياً قريباً.. وأداء الهلال ممتع    ما هكذا يكون الرد يا سالم!!    في أبرز المباريات الأوروبية.. ليفربول في اختبار تشلسي.. وبرشلونة يستقبل إشبيلية    تعزيز التعاون التعديني بين المملكة وإسبانيا    غُصَّة حُزن وألم    انطلاق معرض المدينة بيلدكس    إحالة مسؤولين في إحدى القنوات التلفزيونية للتحقيق    وسط إشادة واسعة بالرسوم المتحركة والمؤثرات البصرية.. مانجا للإنتاج تحتفل بالعرض الأول للأنمي السعودي    شارك في مؤتمر اللغات بإسبانيا.. مجمع الملك سلمان العالمي يعزز هوية "العربية"    جامعة الملك خالد تحصل على المركز 11 عربيًّا والرابع وطنيًّا في تصنيف QS العربي للعام 2025    نتنياهو رداً على محاولة اغتياله: لا شيء قادراً على ردعنا    الحضور السعودي الدولي    لص اقتحم منزلين.. نشر الغسيل ونظف الأرضيات    تحذير أممي من تداعيات مقتل 700 فلسطيني    دراسة: لا يشترط المشي لفترات طويلة يومياً    رأيُ سياسيٍّ أمريكيٍّ في سياسة بلاده ...؟!    اقتراح لتسوية مديونيات المخالفات !    اللقافة مرة أخرى    ضبط نحو 22 ألف مخالف لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    وصول الطائرة الإغاثية السعودية السابعة لمساعدة الشعب اللبناني    القيادة تعزي ملك مملكة البحرين في وفاة الشيخ حمود بن عبدالله بن حمد بن عيسى آل خليفة    الوطن مجموعة من النعم    135 منشأة مخالفة لنظام المنافسة    ساعتان لإصدار تراخيص أنشطة النقل    لماذ أحب الهلال..؟    التحول الرقمي يُعيد تشكيل الحدود    مبابي وفينيسيوس يقودان ريال مدريد لفوز صعب على سيلتا فيجو    بلان: هناك مشاكل دفاعية.. وبنزيمة خارق    مدرب القادسية: قدرات الإتحاد سبب الخسارة    تأمين المركبة لحفظ المال وراحة البال    أكتوبر.. فرصة لاجتماع نجوم الشتاء والصيف في السماء    إمام المسجد النبوي: أحب القلوب إلى الله أرقّها وأصفاها    خطيب المسجد الحرام: التأني يقي من الانحراف    البدء بأعمال الصيانة والتأهيل لطريق الملك فهد (الدمام الخبر السريع) للمرحلة الرابعة    القبض على (7) إثيوبيين في جازان لتهريبهم (330) كجم "قات"    حائل: حملة للكشف المبكر عن سرطان الثدي    أمين الطائف يقف على مشروعات ظلم والمويه    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على فرحان بن عبدالعزيز آل فرحان    مفتي موريتانيا: مسابقة خادم الحرمين لها أهمية بالغة في خدمة الدين    7 ميداليات سعودية في معرض أنوفا للاختراعات    إطلاق 15 ظبي ريم بمتنزه واحة بريدة    حرس الحدود في مكة ينقذ (3) مواطنين تعطلت واسطتهم البحرية    شارك مجمع طباعة المصحف بالمدينة المنورة في معرض "جسور"    أجواء طريف المعتدلة تحفز المواطنين والمقيمين على ممارسة رياضة المشي    برقية شكر للشريف على تهنئته باليوم الوطني ال94    السعودية إنسانية تتجلى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ال «دليفري» والأسرة المصرية... يد واحدة
نشر في الحياة يوم 24 - 07 - 2014

منظومة فارقة، وهيكلة شاملة. شكل جديد للحياة وإعادة اكتشاف لأسلوب مغاير للتفاصيل الصغيرة منها والكبيرة. ثورة في حياة النساء، وتيسير في حياة الرجال، وتعديل في خبرات الصغار. قطاعات بأكملها انصاعت للتغيير، وفئات برمتها سلمت للتعديل. حتى هؤلاء الرافضون وأولئك الممانعون يتقهقرون ويسلمون بين الحين والآخر، فالمقاومة باتت صعبة والمباعدة أصبحت مستحيلة. إنها الوجه الآخر من الحياة في قاهرة المعز في عام 2014، حيث شهر من عمر ساكنها يمضيه سنوياً على الطريق ذهاباً وإياباً، وأعصاباً تُحرق تسوّقاً وبحثاً عن خضار وفاكهة ولحوم ودجاج، وأنفاساً تُحبس انتظاراً لدواء يشفي أو طبيب يعالج.
العلاج الشافي بدأ قبل عقدين من الزمان محدوداً مقتصراً على أحياء من دون غيرها، وفئات أكثر من غيرها، وتحوّل بعد سنوات وتغييرات وتقلبات وانفجارات سكانية وأخرى مرورية وثالثة اجتماعية، إلى منظومة متغلغلة في غالبية البيوت وبين أكثرية الأسر. إنها منظومة «الدليفري» أو «التوصيل للمنازل» التي بدأت بأطعمة بعينها وأخذت تتسع لتضم بقالة وجزارة، ثم ملابس ومفروشات، وبعدها أوراقاً ووثائق، ثم تحاليل وعلاجات، وتجميلاً وتحسيناً، حتى باتت بنود الحياة مصنّفة في خانات مختلفة تحت بند ال «دليفري».
«ملاك منقذ»
«الدليفري صديق المرأة العاملة ومنقذها ومخلصها. وإذا كانت والدتي وحماتي اللتان رعتا أطفالي وهم رضّع، وحضانة الأولاد القريبة من البيت حيث تركتهم في سن ما قبل المدرسة لهم الفضل في احتفاظي بعملي ونجاحي في البيت وخارجه، فإن لل «دليفري» دوراً لا يقل أهمية أو محورية، بدءاً بمطعم الوجبات السريعة الذي ينجدني حين أتأخر في عملي، مروراً بطلب الدواء من الصيدلية بعد منتصف الليل، وانتهاء بمزيّن الشعر الذي يصفف لي شعري في الثامنة صباحاً قبل أن أتوجه إلى عملي. المجد كل المجد للدليفري»، وفق تبجيل نيهال عبدالناصر (38 سنة) لهذه «المنظومة» التي غزت مصر.
وإذا كانت مصر اعتنقت منظومة ال «دليفري» متأخرة عن غيرها من االبلدان، نظراً إلى توافر الأسواق في كل ركن وزاوية، وعدم شيوع فكرة الوجبات السريعة، وميل فطري للمتسوقين للتسوق الفعلي حيث تكوين العلاقات الاجتماعية والمقارنة بين الأسعار وفرص الجدال والفصال. فقد ولّى وأدبر كل ما فات، فشاعت الوجبات السريعة،
وتبدد الميل الفطري للتسوق الفعلي نظراً إلى ضيق الوقت واندثار الجهد بفعل ضغوط الحياة المتفجرة. وهنا بزغ نجم ال «دليفري» ليتحوّل من شاب أهوج يطير على دراجة نارية مزودة بعلبة خشبية تحوي وجبة محملة بسعرات حرارية فارغة، إلى ملاك منقذ لا يحمل الوجبات فقط، بل يحمل أدوات تحليل الدم، وحافظة نقل وثائق الملكية، وملفاً يحوي بطاقة شخصية وشهادة ميلاد ورخصة قيادة.
قيادة عالم ال «دليفري» لعوالم النساء، العاملات منهن وربات البيوت ظاهرة تستحق الدراسة والتحليل. وتخليهن التدريجي عن مهمة شراء الخضروات ومتعة تسوق الملابس ومغبة التوجه إلى مختبر التحليل لسحب عينة دم أو الخضوع لاختبار، حمل يعني أن العالم من حولهن قد تغير، وإن كان نحو الأسوأ.
تقول كوثر مصطفى (62 سنة) إنها لم تكن تتخيل أن تلجأ يوماً إلى طلب كيلوغرام من القثاء أو دواء للسعال أو تجديد هويتها الشخصية من طريق ال «دليفري»، فحاجاتها محدودة والمنطقة التي تسكن فيها تجارية تحوي المحال والخدمات على أنواعها، والوصول إليها لم يكن يوماً مشكلة، لكنه صار كذلك بعد ثورة يناير. توضح مصطفى: «تحول الرصيف وجانب من الشارع إلى سوق للباعة الجوالين، ولم يعد هناك موطئ لقدم. ولسبب ما صار الناس أكثر عنفاً وعدوانية، بدءاً بأصحاب المحال ومروراً بالمارة وانتهاء بسائقي السيارات. ولم أعد قادرة على مصارعة طواحين الهواء من أجل شراء حاجاتي. وقبل حوالى خمسة أشهر، وقعت من على الرصيف، وكسرت كاحلي، وهو ما قلب حياتي رأساً على عقب وأصبحت ملكة الدليفري في العمارة».
لكن ملكات ال «دليفري» في «المحروسة» لا يمكن عدّهن أو إحصاؤهن، فهن في زيادة مضطردة. فمن ازدحام مروري يصل إلى شلل يضرب الشوارع والميادين، إلى عشوائية سلوكيات وتدهور خدمات يجعل من السير في الشارع أمراً محفوفاً بالأخطار الجسدية والمعنوية، إلى توسّع لا سابق له في خدمات ال «دليفري» المتاحة لتوصيل أي شيء وكل شيء إلى باب الشقة في شكل لا يمكن رفضه، فبات وسيلة جديدة للراحة والتدليل وتوفير الوقت والجهد.
«واقع لاند»
لكن الملاك الحارس والمخلص الفارس لا يأتي منزهاً عن الأخطار ومرفّعاً عن السلبيات. فهناك جيل بأكمله ولد ونشأ في أحضان ال «دليفري»، ولا يفقه من أمره شيئاً في شؤون الفصال والجدال، والانتقاء والاختيار، والتعامل والتواصل.
نادين (20 سنة) وجدت نفسها قبل أيام في موقف لا تُحسد عليه. فقد طلبت منها والدتها أن تعرّج على سوق الخضار القريب من البيت لشراء بعض المستلزمات بعدما أغلق محل البقالة المجاور المقدّم خدمة ال «دليفري» أبوابه أياماً، وهناك واجهت الشابة عالماً لم تعرف عنه شيئاً على مدى عقدي عمرها، حتى أنها خلّدت تجربتها عبر تدوينات فايسبوكية تحت عنوان «نادين في سوق الخضار» على غرار «أليس في وندر لاند (بلاد العجائب)».
ومن «وندر لاند» إلى «واقع لاند» حيث وجه آخر ل «الدليفري» وهو رجال «الدليفري أنفسهم»، حيث قيادة خطرة تعرضهم والمحيطين لأخطار جمة، وظروف عمل بالغة السوء والخطورة، ورواتب متدنية، وانعدام الرعاية الصحية حتى في حالات الحوادث (وهي كثيرة).
المثير أن قطاع «الدليفري» لم يعد مجرّد مهنة يعمل بها شباب باحث عن فرصة عمل، بل أصبح قطاع خدمات شبه مستقل، حتى إن شركات باتت تُنشأ بغرض تقديم «الدليفري»، هدفها التكفل بهذه الخدمة المرتبطة بالمطاعم والمؤسسات والشركات، فتزودها بالعاملين والدراجات النارية وفق حاجاتها في مقابل رسوم محددة.
«الدليفري» صديق النساء، ومُخلّص الرجال، ومدلل الصغار، وقطاع اقتصادي هامشي قائم بذاته. هو والأسرة المصرية يد واحدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.