أظهر السوريون خلال ثورتهم شجاعة مذهلة أثارت إعجاب القاصي والداني، وقدموا تضحيات جسيمة، بلغت حصيلتها مئات الآلاف بين شهيد وجريح ومعتقل. من رحم ثورتهم ولأجلها، ولإيصال رسالتها، وتأمين مستلزمات انتصارها، أبدع السوريون هياكل تنظيمية وإعلامية (التنسيقيات)، وشكلوا عشرات الحالات السياسية والمدنية (مواطنة، تجمع نبض، حركة معاً، الكتلة الوطنية، ائتلاف اليسار، اللقاء الوطني، نساء سوريات لدعم الانتفاضة، شمس، طريق، تجمع الشارع، رؤية إلخ)، وأصدرت العديد من النشرات والصحف والمجلات (أوكسجين، عنب بلدي، سورية بدّا حرية إلخ). وغطت صفحات الفايسبوك سماء العالم الافتراضي. إذاً، تبدو جلية حاجة المرء لقسط لا يستهان به من الغباء وفقدان البصر والبصيرة لتصديق تلك الرواية. بل إن النظام نفسه، هو أول غير المصدقين لها. مع ذلك، وحتى كتابة هذه السطور، لم تهتز قناعته بجدوى اتباع المبدأ الغوبلزي الشهير «اكذب ثم اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس». في 18 آذار(مارس)، وهو التاريخ الذي يعتبر، بنظر الكثيرين، الانطلاقة الفعلية للثورة، خرجت في درعا تظاهرة للمطالبة بإطلاق سراح عدد من الأطفال الذين اعتقلوا بسبب كتابتهم شعارات على الجدران مناوئة للنظام. وكان سوء المعاملة والإهانة والإذلال الذي تعرض له أهالي المعتقلين، سبباً رئيسياً لهذه التظاهرة. وكان أهالي درعا قد ردوا على بثينة شعبان بهتافهم الشهير «يا بثينة ويا شعبان/ الشعب السوري مو جوعان»، الأمر الذي اعتبر بمثابة نفي للبعد الطبقي الاجتماعي في الثورة. مع ذلك، نميل للاعتقاد بأن الثورة السورية لا تختلف عن غيرها من ثورات الربيع العربي من حيث شمولية مطالبها لمختلف نواحي الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية. فالقضاء على الفقر والبطالة وتحقيق العدالة أهداف لا تقل أهمية عن غيرها من أهداف الثورة. لكن، في جمهورية الخوف، تصبح الحرية، هدفاً رئيسياً، يكاد يغطي على غيره من الأهداف. ويغدو طبيعياً، أن تحضر هذه الكلمة السحرية، بقوة في شعارات المتظاهرين وهتافاتهم وأغانيهم، فتصدح حناجرهم بصوت يكاد يعانق السماء: «سورية بدّا حرية». * كاتب فلسطيني