عندما ذاع خبر انشقاق 10 ضباط كبار من الجيش السوري بينهم 4 عمداء وعقيدان ولجوئهم إلى تركيا، بالتزامن مع إعلان انشقاق مساعد وزير النفط السوري، اتصلت بصديق في المجلس الوطني السوري، وهذا الصديق الثائر مصاب بالمرارات والإحباطات من سنوات، لكنه لا يزال يجيد التواصل والتحليل والتفاؤل، ويُبدي شجاعة في مواقفه ضد نظام الأسد. يرى أن نظام الأسد سيرحل وأن نسبة كبيرة جداً من الشعب السوري أصبحت ثائرة وستحطم الأصنام قريباً. يتساءل كيف أن الأسد يصر على مخالفة حقيقة الشارع، وحجم المتظاهرين وانشقاق ضباط الجيش، على رغم أنه يعلم أن الثورة السورية ليس لها من أب إلا الشعب الباحث عن الكرامة والحرية والحقوق المفقودة. يقول إن الثورة صمدت عاماً وستصمد أكثر وأكثر، ولو قتل الشعب كله وتخلى العالم كله. يقول لا أستغرب تصريحات الأسد الأخيرة التي يؤكد فيها أن أي حوار سياسي أو عملية سياسية لن تنجح طالما هنالك مجموعات إرهابية وعصابات مسلحة تعمل على إشاعة الفوضى، متسائلاً بسخرية: أليس من يقصف الشعب بالدبابات والصواريخ، ويهدم المنازل ويقتحم المدن ويمنع عن الناس الماء والغذاء ويقطع عنهم الكهرباء هو شبيحة النظام وعصابته. ثم يتعجب كيف لا يخجل هذا النظام من بث إشاعة «المندسِّين»، حتى إنه يحاول إلى اليوم أن يصور الشعب السوري بأنه «مسلّح ومندس». يبشر هذا الصديق الفاعل بأن المعلومات التي لديه تشير إلى أن نظام الأسد ورجال القصر بدا الذعر يدب في قلوبهم بعد أن شعروا باقتراب الحبل من غاربهم ووصول التظاهرات إلى حدود القصر الجمهوري. وليل أمس، اتصلتُ بمسؤول في الأممالمتحدة سبق أن التقيته أخيراً في عاصمة خليجية، وكتبت ما دار بيني وبينه على حلقتين في مقالة بعنوان: «دردشة ليست للنشر». هذا المسؤول مشكلته أنه لا يتحدث إلا قليلاً، ويفضل عدم ذكر اسمه. استنتجت هذه المرة من حديثه أن «الحل الأخير» يلوح في الأفق، وأن الضغط العربي على روسيا، ولا سيما الخليجي بدأ يؤثر فيها ويقلقها مع تزايد الكراهية لها في الشارع العربي، مؤكداً ما ورد عن أن وزير الخارجية الروسي لافروف في لقائه الأخير بوزراء الخارجية العرب في القاهرة، أشار إلى أن بلاده تعتمد المبادرة العربية التي تنص على نقل صلاحيات الأسد إلى نائبه ضمن مهمة «كوفي أنان»، معتبراً هذا تقدماً عملياً ملموساً. مطالب الشعب السوري واضحة. والمطالب العربية والدولية واضحة. وأكاذيب النظام السوري ومكابرته وجرائمه واضحة. الحل لم يعد وقف العنف والوحشية فقط، وإنما المطلب الأساس رحيل نظام الأسد ومحاسبة عصابته، حتى تنعم سورية بالهدوء والاستقرار. الجامعة العربية حتى الآن لم ينجح فيها أحد، حتى رئيس فريق المراقبين العرب المرسل إلى سورية الفريق الدابي ما إن وصل إلى دمشق حتى أصبح يدعى ب «الشبيح»، إذ تحولت مهمته من المراقبة لمصلحة الشعب إلى المنافحة عن النظام. وهناك مواقف دول عربية، مثل العراق ولبنان والجزائر خائبة، ودول عربية أخرى مثل مصر تائهة! يحسب للسعودية وشقيقاتها دول مجلس التعاون الخليجي صرامة خطابها منذ البداية، وشجاعة مواقفها في مواجهة موقف روسيا والصين من الأزمة السورية. في القاهرة اتهم سعود الفيصل مجدداً موسكو وبكين، بأنهما يمنحان النظام السوري رخصة القتل ضد الشعب من دون شفقة أو رحمة، من خلال مواقفهما المتراخية والمتخاذلة تجاه وحشية النظام. كما يحسب لقطر أيضاً دورها وتبنيها مقترحات قوية، مثل دعوتها إلى إرسال قوات عربية ودولية إلى سورية. اليوم في نيويورك يعود الملف السوري بقوة إلى مجلس الأمن مع اجتماع وزراء خارجية الدول الدائمة العضوية، في جلسة مخصصة لبحث «الشرق الأوسط: تحديات وفرص»، وستكون الأزمة السورية على رأس أولوياتها. لا شك في أن الموقف الروسي طرأ عليه بعض التغير، لكن ينتظر من موسكو اتخاذ خطوات إنسانية جادة؛ لإنهاء الأزمة الحالية، لا الاستمرار في ترخيص القتل والدفاع عن نظام مجرم سقط في عيون شعبه ولم يعد يعترف به، بعد أن اتسعت رقعة التظاهرات وتزايدت الانشقاقات جراء جرائم القتل والتعذيب. الأوضاع في سورية بالنسبة إلى النظام بين التعقيد والتصعيد، أما الثوار فتبدو كل الحلول بالنسبة إليهم متساوية، ولم يعودوا يخشون شيئاً بعد أن شهدوا القتل، وقرروا الثأر بعد أن جمعوا أشلاء شهدائهم وأعلنوا أنهم للموت فداء. والحقيقة أن المسألة السورية لم تعد تحتاج إلى حل معادلة رياضية معقدة. ولن تعود سورية مستقرة إلا برحيل نظام الأسد وزمرته، وهو ما يجب أن يكون عليه موقف مجلس الأمن الدولي خلال اجتماعه اليوم في نيويورك. الأكيد أن خريطة الحل السياسي أو الحل الأخير التي تساعد الشعب السوري، يجب أن تبدأ من الاعتراف بالمجلس الوطني السوري ومساندة المعارضة بالمال وتسليحها علناً في حال إفشال النظام لمهمة أنان، واستمراره في رفض اعتماد المبادرة العربية التي تنص على نقل صلاحيات الرئيس لنائبه. [email protected] JameelTheyabi@