أما وإن الأمور قد وصلت في الثورة السورية إلى خط اللارجعة، وأصبح إسقاط النظام هو الهدف الأول والغاية التي ليس منها بُد، فإن الحديث عن خيار غير هذا الخيار هو مضيعة للوقت واستهتار بالشارع السوري الثائر وجرحه النازف، لكن السؤال المطروح هو كيف يتم ذلك؟ في البداية كانت أهداف الثورة السورية بسيطة وواضحة وجُلها مطالبات لا تتجاوز حاجز الإصلاحات السياسية والاقتصادية، ومكافحة الفساد المستشري في البلاد، واحترام الحريات وحقوق الإنسان، ومن ثم توسعت أهدافها وبغباء تصرفات النظام السوري وسلوكه الدموي أوصلت الأوضاع إلى ما عليها الآن، الحال في سورية ونتائج الثورة فيها مقلقة، فالنظام لم يترك أملاً بالحل السلمي أو الحوار، لاعتماده على القمع والقتل وهدم المنازل ورمي الجثث في الشوارع وإحراقها، فجعل من التراجع عن مطالب إسقاطه ومحاكمته أشبه بالمستحيلة، وعلى الجانب الآخر يبدو أن دعم روسيا والصين وإيران وحزب الله والمالكي للنظام جعله متصلباً في موقفه ولا يرضى بغير الحل الأمني بديلاً! وفي ظل هذا التصلب في المواقف، وهذا التهور في استخدام أنواع القوة كافة ضد الشعب الأعزل يتساءل البعض: إذاً ما الخيارات المطروحة حيال هذا الأمر؟ وكيف يمكن إنقاذ ما يمكن إنقاذه؟ الخيارات محدودة ولكل واحد منها سلبياته الكثيرة، لكن هل هناك سلبية أعظم من أن ترى شعباً أعزل يُقتل ليل نهار! لنقف قليلاً مع هذه الخيارات ونكشف بعضاً من جوانبها وحيثياتها: - يتحدث البعض عن الممرات الإنسانية، هذه معقدة قليلاً، فالنظام لن يسمح بذلك أبداً، والجيش الذي من المفترض أن يقوم بإيصال هذه المساعدات هو طرف في القتال، إذاً من الصعب أن تُقام هذه الممرات الإنسانية من دون وجود قوات عسكرية تمنع الجيش السوري من التدخل، وبالتالي نعود دائماً إلى الموضوع المتعلق بالتدخل الدولي، وفي هذا الوضع فإن روسيا والصين يرفضان تماماً الحديث حول هذا الخيار! علماً بأن هذا الخيار لن يتسبب في إيقاف العنف، هو فقط خيار لإيصال المساعدات وليس لوقف القتل! - يعرض البعض الآخر فكرة تسليح المعارضة كبديل ثانٍ، يرى البعض بأن تسليح المعارضة السورية قد يساعد في تأجيج الصراع السوري - السوري، وقد يعمل هذا الصراع إلى تمزيق سورية إلى مناطق وطوائف، ومن ثم نشوب حرب أهلية جراء هذا التسلح وانتشار السلاح بعد سقوط الأسد، وخطر هذا الشيء على المواطن السوري، كما هو حاصل اليوم في الحال الليبية! - تلوح في الأفق بارقة للخيار الأخير... الخيار الصعب... الخيار المر... الخيار الذي بسبب النظام وقمعه سوف تذهب الأمور له لا محالة وهو التدخل الدولي، أين كانت شاكلة هذا التدخل الدولي سواءً بقرار من مجلس الأمن، كما في الحال الليبية، أو من دون مجلس الأمن، كما في الحال الصربية، فإن الخيار الأخير والوحيد المطروح و«المجدي» مع بقاء خيار تسليح المعارضة وبناء منطقة عازلة. كلنا نعلم أن الغرب لن يتدخل لأجل «عيون» السوريين أو العرب، لكن هو يتدخل بفواتير مدفوعة، وأمور أخرى ربما لا نعلم عنها، لكن أكثر ما يتخوف منه المتابع للحال السورية بأن يتسبب التدخل الخارحي في انقسام إلى طوائف وملل، وكلنا يعلم بأن الغرب منذ زمن وهو يلعب على إشعال هذه الشاكلة من التجاذبات داخل المناطق الإسلامية والعربية على وجه الخصوص، فالبعض يكاد يجزم بأن الاعتماد على الطوائف بدلاً من الأحزاب هو خيار غربي مقبل، ولعلّ ما نقلته صحيفة «نيويورك تايمز» عن مسؤول أميركيّ قوله: «إنّ الجانب الطائفيّ والانقسامات والكراهية في تزايد... هذه الانقسامات لن تتلاشى... ما حدث في شمال غرب سورية سيؤجِّج مشاعر العلويّين ويزيد تشدّدهم كجماعة، وسيثير كراهيتهم تجاه السنّة، والعكس صحيح... نحن نرى عناصر المعارضة المسلّحة عبر سورية في شمال غرب البلاد»، وهذا يستدعي انقسامًا حادّاً في المجتمع، وبالتالي نشوء أحزاب دينيّة، ومن ثَم يصل الأمر إلى سنّ نظام طائفيّ لا وطنيّ «كما في الحالتين اللبنانية والعراقية»، والبلدان التي تستخدم أنظمة طائفيّة ستبقى في صراعات داخلية عميقة، كما ستظل تحت رحمة التدخّلات الخارجيّة طوال الوقت، لأنّ كلّ طائفة ستبحث عن داعمها الخارجيّ، بالتالي سيظل هناك التدخل الخارجي ولن ينقطع بخروج الطائرات الأجنبية، ولا تزال ليبيا تعاني إلى اليوم جراء التدخلات في شؤونها، وكذلك جراء انتشار السلاح في البلاد كافة، وهذا ما يُخشى تكراره في الأزمه السورية، مع الأسف! لكن لو نظرنا إلى الوضع السوري على الأرض نجد بأن التسلح بدأ فعلاً، فمن يُسلح الشعب الآن هو النظام نفسه، لكنه يُسلح الموالين له فقط، وقد ارتكبوا جرائم كثيرة يتناقل أخبارها وصورها السوريون، سواءً كانت هذه الجرائم تحت غطاء الجيش والأمن أو بمبادرات فردية منهم بعد توفر السلاح، كذلك المتخوفين من التدخل الأجنبي فإن التدخل الخارجي في سورية حاصل فعلاً، فهناك تدخل دولي صريح يتمثل في روسيا والصين، وهناك تدخل إقليمي أكثر وضوحاً تُمثله إيران، وهناك تدخل لدول الجوار «العراق ولبنان»، لكنه تدخل بجانب النظام وليس بجانب الشعب، فلماذا يسمح المجتمع الدولي بالتدخل والتسلح لقتل الشعب السوري، ولا يسمح أو يتخوف من التدخل أو تسليح الجيش الحر لحماية هذا الشعب؟! سؤال عريض يرسم علامات استفهام كبيرة حول مواقف القوى الغربية المريب من الأزمة السورية! أي نعم أن الأمر غاية في التعقيد والخطورة، لكن هل يعني هذا أن نقف موقف المتفرج الذي لا يُحرك ساكناً؟ لكن كل هذه الأحاديث والتأويلات والمناشدات والأماني لا يمكن أن تكتمل والمعارضة السورية بهذا الشكل المخجل من التفكك والتشرذم، فالشارع السوري حسم أمره من أول يوم سفكت فيه قوات الأسد دماء أطفال «ردعا» قبل عام، والمعارضة السورية، مع الأسف، إلى اليوم لم تضع تصوراً واضحاً للمرحلة المقبلة يُطمئن المجتمع الدولي، فضلاً عن المواطن السوري! يجب على المعارضة السورية تكثيف الجهود، والتنسيق في ما بينها لرأب الصدع وتقريب وجهات النظر والتنازل عن بعض القناعات لأجل المصلحة العليا - إسقاط النظام - ولأجل حقن هذا الجرح النازف في جسد الأمة! تخيلوا أن الأسد خرج علينا بخطاب تاريخي وأعلن تنحيه عن السلطة ليترك للشعب السوري حرية اختيار رئيس دولته، وأعضاء مجلس شعبه، ووضع دستوره، وقوانين بلاده كافة... يا الله تُرى هل نحن بحاجة لكل هذه التداخلات السياسية والآراء والتحليلات المعقدة، ولكل هذه الجروح النازفة، ولكل هذه الحسابات السياسية على حساب أرض سورية الحبيبة وشعبها الغالي! 3waied@